Land and Urban Planning

موجز

تشكل حوكمة* ثلاثية الأرض والتخطيط والعمران في الواقع الإسرائيلي مركَّباً مركزياً في السيطرة على الحيّز وإنتاجه وتهويده. ثمة بين هذه الثلاثية جدلية وتآزر لتحقيق أهداف أيديولوجية وجيوسياسية واجتماعية اقتصادية، وتشكيل حدود تطوير على المستوى القطري واللوائي والمحلي. وقد حدثت تحولات وتغيرات في جدلية العلاقة بين مركَّبات حوكمة الثلاثية والمرافقة لتحولات عالمية وقطرية ومحلية. بعض هذه التحولات مرتبط بالمشروع الصهيوني وانتقاله من حال ما قبل الدولة إلى حال ما بعد إقامتها، وبعضها الآخر متعلق بتغيرات بنيوية وظائفية مرافقة لتغيرات جيوسياسية وديموغرافية واجتماعية اقتصادية مواكبة لتغير أيديولوجيا نظام الحكم الذي انتقل من أيديولوجيا اشتراكية لدولة الرفاه إلى أيديولوجيا اللبرلة – اقتصاد السوق.

يهدف هذا الفصل إلى عرض التحولات في آلية التخطيط الحيّزي، وسياسات استخدامات الأرض والعمران، ومناقشة مدارس وفقه (Doctrine) التخطيط في إسرائيل. كما يعرض الفصل محاور التحولات في التخطيط والنقاشات في شأنه داخل إسرائيل. ويعتمد الفصل على منهجية السرد التحليلي الناقد، فينطلق من مفهوم أن التخطيط الحيّزي ليس موضوعاً إجرائياً وتقنياً محايداً، بل هو ترجمة لفكر وأهداف مرتبطة بالأنماط والنماذج العالمية، لكنها محكومة بعلاقات القوة في تخصيص موارد الأرض والعمران، وبأيديولوجيا صهيونية شبه ثابتة على الرغم من الأوضاع المتغيرة.

مقدمة

تخضع قراءة حوكمة التخطيط الحيّزي في إسرائيل لتحدٍّ ذهني ومعرفي متميز مما يكون، أو متعارف عليه، في حالات دول أو مجتمعات أُخرى. هذا التميز، أو حتى الخصوصية، هو نتيجة استخدام التخطيط كآلية للسيطرة على الأرض وتقسيم الموارد، وحصر/تمكين الامتداد العمراني وفق اعتبارات عرقية. وقد شكل التخطيط الحيّزي جزءاً من استمرار الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على امتلاك الأرض وإنتاج الحيّز العمراني فيها. وهذا الصراع الدامي، الإحلالي والاستعماري،1 مستمر منذ أكثر من مئة عام، وما زالت آفاق تسويته غير واضحة المعالم. وفي واقع هذا الصراع فإن كلا الشعبين يعيش حالة خوف وسيطرة على موارد القوة بشروط وأوضاع غير متناظرة. وعليه، فإن هاجس الخوف لدى إسرائيل، المبرَّر أو غير المبرَّر، يدفعها إلى صوغ سياسات وإنتاج تخطيط حيّزي على حساب تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني (حتى لو حصر ذلك في الضفة الفلسطينية2 وقطاع غزة)، وإلى تعميق التمييز ضد العرب الفلسطينيين مواطني إسرائيل، في الجليل والمثلث والنقب، وكذلك ضد السوريين في الجولان المحتل. ومن هنا يطرح هذا الفصل السؤالين التاليين: كيف تم استخدام التخطيط الحضري لحوكمة الأرض ولإنتاج الحيّز العمراني؟ وما هو نموذج التخطيط الذي يشكل أداة طيعة في يد الدولة لتحقيق مبادئ رئيسية تشكل بوصلة عليا موجِّهة للتخطيط الحيّزي لتوجيه مستقبل الدولة العبرية في فلسطين؟

يهدف هذا الفصل إلى عرض ناقد للتحولات في التخطيط الحيّزي، ومناقشة مدارس وفقه (Doctrine) التخطيط واستخدامه كأداة هيمنة لإنتاج الحيّز وضبط استخدامات الأراضي لتحقيق أهداف الدولة. كما يقدم الفصل عرضاً لمعالم نظام التخطيط المعمول به، ومحاور التحولات في التخطيط كمركَّب يعكس الجدل السياسي العام داخل إسرائيل وفي شأن مستقبلها. ويعتمد الفصل على منهجية السرد التحليلي الناقد للخطاب واللغة التخطيطية وكذلك على منهجية «الباحث كلاعب».3

ينطلق الفصل من وضع إطار معرفي لمفهوم التخطيط واستخدامه في الواقع الإسرائيلي في مرحلة بناء الأمة/المشروع الصهيوني – ما قبل الدولة، إلى إقامة الدولة، ومن ثم إلى إدارة الحيّز العمراني فيها. ونتبعه بعرض الثابت والمتحول في الفكر والممارسة في نماذج التخطيط (Shifting Paradigms)، التي أُعدت والتي هي في طور الإعداد، ثم نتناول الخطاب التخطيطي كمعبِّر عن التحولات في منظومة التخطيط (مؤسسات التخطيط وأنواع المخططات)، والعلاقة بين سياسات التخطيط الحيّزي وحوكمة الأراضي.4 ومن ثم نتناول الموضوعات التالية: حال التخطيط الحيّزي المتأرجح بين تعريف المكان وبين إشكاليات التعامل مع الإنسان الذي يعيش فيه؛ المزج أو التفريق بين التحولات في أيديولوجيا الحكم (الاشتراكية، ودولة الرفاه، والليبرالية) والحل الجيوسياسي؛ دور كل ذلك في بلورة حالة تميز التخطيط الحيّزي في إسرائيل وفق مستويات التخطيط والمناطق المتعددة، بما في ذلك المنطقة المسماة «ج» من الضفة الفلسطينية، والتي ما زالت تقبع تحت الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي. وخلال هذا العرض ستتم الإشارة إلى بعض مآزق التخطيط في إسرائيل بانتقاله من مرحلة ما قبل الدولة وبناء الأمة إلى مرحلة بناء الدولة وإدارة المجتمع، ومن المركزية إلى التوزيع، ومن النظام الاشتراكي إلى النظام الليبرالي الديمقراطي، ومن التركيز على التخطيط التنازلي الرسمي المقونن إلى التخطيط التصاعدي التوجيهي المشارك للجمهور.

أولاً – مدخل نظري وتاريخي: مفهوم التخطيط وإشكاليته وتطوره في الواقع الإسرائيلي

انطلق التخطيط الحيّزي الرسمي المقونن كجزء من سياسات تدخّل الدولة في صوغ وبلورة إنتاج الحيّز مع بداية القرن العشرين.5 ذلك بأن التخطيط جزء من سلطات الدولة الحديثة ومؤسساتها، وهو جزء أيضاً من أدوات الدولة المهيمنة على إنتاج الحيّز العام وامتلاكه وإدارته.6 وهذه الأداة الحداثية طُوِّعت في صوغ الصراع وهي إحدى أدوات المستعمر التي تساهم في تعميق وتثبيت سيطرته، وذلك باستخدام التخطيط لتحقيق أهداف الصالح العام.7 كما يشكل التخطيط أداة لوضع إطار منظم وناظم، مترجماً لفكرة، أو ذهنية، أو أيديولوجيا، أو سلوك مرغوب فيه، بحيث تُنَظَّم من خلاله عملية توزيع الوصول إلى الموارد من أجل تحقيق أهداف مُجْمَع عليها أنها لمصلحة المجتمع حالياً ومستقبلاً. ويثير ذلك طبعاً هواجس عديدة في شأن كيفية ترشيد استهلاك الحيّز والموارد النادرة كالأرض، وتحقيق الاستدامة والموازنة بين الحاجات الحالية والمستقبلية. كذلك فإن التخطيط هو عملية اجتماعية وسياسية تسعى لرصد الموارد وتوزيعها بين مجموعات السكان في مختلف مواقعها. ويتأثر توزيع الموارد تأثراً مباشراً بعلاقة القوة داخل المجتمع ونمط الحكم السائد. وهذا يعني أن التخطيط متأثر مباشرة بعلاقة القوة عادة بين الأفراد والمجموعات. لكن في حالات الاستعمار الاستيطاني، مثلما هي حالة إسرائيل، يؤدي التخطيط دوراً بنيوياً في سلب الأرض من السكان الأصليين وتوفيرها للمستوطنين. ففي إسرائيل، مبدأ «الاستيطان اليهودي» هو مبدأ أساسي وغاية رسمية منصوص عليها في المخططات القطرية التي تنظم عملية البناء والعمران مركزياً. ولذا يجب، من منظور خطاب العدالة التخطيطية، أن تقر الدولة الحاكمة بهذا الأمر وتتبناه جزءاً من خطاب العدالة الاجتماعية.8

لقد تشكل أساس حوكمة الحيّز والتخطيط الحالية في مرحلة ما قبل قيام إسرائيل، مرحلة تشكيل «الأمة – القومية/الشعب» اليهودي كجمع عرقي ذي هوية جمعية حوته الصهيونية بصفته حركة عرقية تسعى لتطبيق مشروعها في فلسطين. ومن المعروف طبعاً أن امتلاك الأرض، ودفع الهجرة اليهودية وانتشارها وتوزيعها، واختيار مواقع المستعمرات وشبكتها، كل هذا لم يكن بموجب مخطط هيكلي ناظم وضابط مُقَرّ من مؤسسات تخطيط رسمية، كما هو الأمر بعد قيام إسرائيل، وإنما كان تخطيطاً فيزيائياً توجيهياً يدمج بين المستوى الرؤيوي والإنجازي. وقد تم تخطيط المستعمرات الزراعية الصهيونية التعاونية (الكيبوتس والموشاف – «تجميع وجلوس») بموجب تخطيط مبادر وحداثي تطورت إدارته تاريخياً وانضوت تحت لواء مؤسسات استيطانية تابعة للوكالة اليهودية، وأهمها الصندوق القومي اليهودي وبعض البلديات، وشكلت نواة دولة داخل دولة الانتداب.

وخلال هذه الفترة صاغت الحركة الصهيونية هويتها الجمعية مستغلة شبّاك فرص ذاتي وعالمي، مكّنها من شراء أراضٍ بحسب استراتيجيا إنشاء تواصل عرقي/إثنو – جيوسياسي، مستغلة شراء الأراضي الزراعية في مناطق السهول لترتبط بالزراعة والأرض. وقد بدأ هذا التواصل من مكان موارد المياه في شمالي شرقي فلسطين، مروراً بسهل الحولة، ثم سهل بيسان، وبعده مرج بني عامر للربط بسهل حيفا ومينائها. ومن هناك استمرت السيطرة في اتجاه الجنوب على امتداد السهل الساحلي نحو يافا والرملة مشكلاً ما يعرف، في الفكر التخطيطي الإسرائيلي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بشكل N الاستيطاني.9 وهذا التواصل الاستيطاني الصهيوني شكل أساس صوغ قرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية، وهو ما استشرف به هيرتسل عندما قال: «في بازل وضعتُ الأسس لإقامة الدولة اليهودية... وربما خلال خمسة أعوام، وبلا شك بعد خمسين عاماً، سيدرك الجميع ذلك.»10

مع قيام الانتداب البريطاني اعتمد طور الاستيطان على أمر تنظيم المدن لسنة 1921، ولاحقاً على أمر تنظيم المدن والأقاليم لسنة 1936.11 وبحسب أمر تنظيم المدن لسنة 1921 أُنشئت مؤسسات تخطيط مركزية ومحلية، وأصبح كل بناء جديد يتطلب إصدار رخصة بموجب المخططات المصدَّق عليها. وفي سنة 1936 تم إقرار أمر تنظيم المدن ليشمل القرى والمناطق الريفية، وتم إعداد مخططات هيكلية لوائية للألوية الستة (انظر الشكل 2) التي قُسمت فلسطين بحسبها إدارياً خلال فترة الانتداب، وتم تعيين حاكم لواء يرئس لجان التنظيم اللوائية التي ضبطت استخدامات الأراضي في محيطها.12 وقد حددت هذه المخططات اللوائية مناطق التطوير، والصحارى، والأحراج، والأراضي الزراعية، وشبكة الطرق، وتوجيهات إعداد مخططات هيكلية للمدن والقرى التي تقع ضمن حدود المخطط. كما أنها ألزمت كل من يرغب في البناء بأن يحصل على رخصة بناء بموجب المخططات المصدَّق عليها من أجهزة التخطيط التي شكلها الانتداب البريطاني. وكل من يخالف المخططات يعرض نفسه للغرامات، أو حتى لهدم المبنى. ومن هذه الخرائط يُذكر أن خريطتي مخطط لواء السامرة S–15 ولواء القدس RJ/5 الانتدابية (الشكل 1) ما زالتا ساريتي المفعول، ويستخدمهما الاحتلال لضبط البناء الفلسطيني في المنطقة المسماة «ج» في الضفة الفلسطينية كما سنوضح لاحقاً.

وعلى الرغم من سيادة المؤسسات التخطيطية الانتدابية على المجتمع الفلسطيني الأصلي، وعلى المستعمرات المقامة لاستيعاب الهجرة الصهيونية الوافدة، فإن الحركة الصهيونية مارست عمليات تخطيط وتطوير شبه منفصلة، وأنشأت مؤسسات شبه ثنائية مستقلة تخدم الاستيطان الصهيوني، وخصوصاً أن هناك تشابهاً وتجانساً بين المنشأ الحداثي الثقافي والسلوكي للحركة الصهيونية وبين التخطيط الانتدابي، سخرته لتحقيق أهدافها. ولقد أثارت قضايا التخطيط المديني في مدن، كالقدس ويافا وحيفا، زمن الانتداب عدة إشكاليات، وعكست الصراع على مستقبل البلد. وفي الريف، برزت الفجوة بين التخطيط الحداثي المستورد في واقع استعماري وبين التطور العمراني الفلسطيني العضوي والتقليدي. وفي الإجمال، يمكن القول إن الحركة الصهيونية قامت، في ظل سلطات الانتداب البريطاني، ببناء شبكة مستعمرات قروية ومدينية متنامية، ومنفصلة عن شبكة القرى والمدن الفلسطينية الأصلية. وخلال عقود الانتداب الثلاثة نمت شبكة الاستيطان الصهيونية وتوسعت لتشكل أساساً لتقسيم فلسطين جيوسياسياً، وإقامة دولة إسرائيل لاحقاً على 77­­% من مساحة فلسطين سنة 1948.

 

الشكل 1: خريطتا مخطط لواء السامرة S-15
ولواء القدس RJ/5 الانتدابيتان

 

اعتمدت عقيدة التخطيط الصهيونية، في مرحلة ما قبل الدولة، على تفضيل ومنح قيمة مادية ومعنوية لإقامة القرى الزراعية التعاونية على أساس جمعي بأشكال متعددة (كيبوتس، وموشاف، وموشفا)، وتخطيطها وإقامتها على أسس حداثية من أجل السيطرة على الأرض، وتكوين مجتمع جديد.13 وفي الواقع، كانت هذه القرى الزراعية التعاونية بمثابة مستعمرات شكلت «ثغوراً» في الحيّز العربي الفلسطيني، ونعتت بأسماء ذات رمزية عرقية مثل: مأحزيم (قابضات)، وهتنحليوت (مزارع مملوكة). واشتهرت هذه المستعمرات، التي أُقيمت على نموذج حربي، خلال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1939)، وكل واحدة منها محاطة بجدار/سياج وفيها برج مراقبة (ببعض الحالات استُخدم خزان المياه لهذه الغاية)، وهي ما تعرف بمستعمرات «حوما ومغدال» (السياج والبرج). وكانت هذه المستعمرات نواة تطور التخطيط الإقليمي لتشكيل مجموعة من المستعمرات يسهل الدفاع عنها، ومنها ينطلق الهجوم للسيطرة على الأرض، وبالتالي تشكيل نواة التخطيط الإقليمي التكاملي (الأمني والاقتصادي، إلخ) والسيطرة السيادية الاستراتيجية على الحيّز في مقابل التمركز في البؤر المنفصلة. وجاء تمكين كتل المستعمرات الزراعية هذه انطلاقاً من عقيدة احتلال الأرض واستعمارها و«العودة» والعمل في الزراعة – على الرغم من أن مستعمريها قدموا إليها من مدن أوروبية ولم يعملوا في الزراعة قبل ذلك – من أجل تحقيق المشروع الصهيوني. وفي موازاة ذلك سكن اليهود في أحياء داخل المدن الفلسطينية، مثل القدس وطبرية وصفد وحيفا، كما أُنشئت أحياء جديدة لاستقبال المهاجرين اليهود، وخصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى. وبعض هذه الأحياء التي أقيمت بموجب تخطيط حضري حداثي قبل قيام الدولة تحول إلى مدن منفصلة، كما هو شأن تل أبيب التي أقيمت كحي شمال شرق مدينة يافا، وأصبحت اليوم ميتروبوليتان قلب الدولة العبرية.14 وبفعل هذا التخطيط الحضري الحداثي نمت يافا، وكذلك فعلت مدن فلسطينية أُخرى، مثل حيفا وعكا ونابلس. وكجزء من عقيدة التخطيط الإقليمي الصهيوني جرى تأمين التواصل بين القرى الزراعية التعاونية (موشفوت) من خلال تأمين تعاون وتكامل وظيفي، وتواصل حيّزي لاحقاً. وقد تحول بعض هذه القرى إلى مدن نتيجة عملية التمدين، وأصبح مدناً حقلية مثل رحوفوت ونهاريا، بينما حافظت قرى أُخرى على طابعها القروي الزراعي. ويجدر بالذكر أن عقيدة إقامة المستعمرات الزراعية التي تكونت منذ نهاية القرن التاسع، استمر تطبيقها أيضاً في إسرائيل بعد نكبة 1948، وكذلك في الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد سنة 1967: الجولان السوري، وسيناء المصرية، وقطاع غزة والضفة الفلسطينية، مع بعض المواءمة.15 والفارق الكبير، في معظم هذه الحالات، هو أنه بات في إمكان الاستعمار الصهيوني إجراء تطهير عرقي واسع، وإفراغ المكان على نطاق شاسع، من دون أن يعتمد على الشراء أو الامتيازات من حكومة انتدابية.

ثانياً - بناء الدولة وتوجيه مستقبلها: القوانين والرؤى

(أ) التحولات في استملاك الأرض:

بعد إقامة إسرائيل ورثت الدولة العبرية نموذج التخطيط البريطاني، وأدخلت عليه تعديلات تخدم تحقيق أهداف الدولة والحركة الصهيونية المتكاملة والمتراكمة.16 ومع قيام الدولة تغير مفهوم التخطيط الحيّزي وأدوات استخدامه،17 إذ بدأت الدولة العبرية تمارس سلطتها لامتلاك الحيّز18 اعتماداً على أربعة مركَّبات باستخدام قوة الدولة وسيادتها: 1. استمرار الشراء؛ 2. الاحتلال بالقوة؛ 3. المصادرة باستخدام جملة من القوانين بلغ عددها 18 قانوناً، استهدفت أراضي المهجرين واللاجئين وكذلك المواطنين في بلدهم، مثل قانون أموال الغائبين، وقانون المصادرة للمنفعة العامة وغيرهما؛ 4. التوريث، على اعتبار أن إسرائيل «ورثت» كل الأراضي العامة التي كانت تخضع للانتداب البريطاني وقبله للدولة العثمانية.19 (انظر الجدول 1)

لقد تُوجت هذه العملية سنة 1960 بإقرار الكنيست لـ «القانون الأساسي: عقارات إسرائيل» الذي عكس روحية الفكرة القومية اللاهوتية القائلة بأن الأرض ملك للشعب اليهودي ولا تباع، والتي مثلتها الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي قبل قيام الدولة، ومع «إتمام» عملية تملك الدولة لأغلبية الأرض فُسح المجال أمام التخطيط لتغيير معالم المكان. وباتت المخططات الهيكلية مركز المواجهة الأساسي مع المواطنين العرب.

 

الجدول 1: السيطرة الاستملاكية والإدارية والتخطيطية
على الأرض في فلسطين: من سيطرة عربية إلى سيطرة يهودية20

مساحة فلسطين الانتدابية

 

26,323,000 دونم

حسب خارطة التقسيم عام 1947 للأمم المتحدة

دولة يهودية

(57,99­%)

15,261,648 دونماً

دولة عربية

(41,35­%)

10,885,848 دونماً

القدس (سلطة خاصة)

(0,66­%)

175,504 دونمات

المساحة التي أقيمت عليها دولة إسرائيل 1948

(77­%)

20,325,000 دونم

مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة

(41,35­%)

5,998,000 دونم

بملكية وامتياز يهودي قبل 1948

(6,4­%)

1,681,586 دونماً

منها بملكية يهودية (وخصوصاً الصندوق القومي

اليهودي) قبل سنة 1948*

 

1,449,958 دونماً

أراض مشتركة (حصص في مشاعات غير مفروزة)

 

56,628 دونماً

مجمل مساحة إسرائيل

 

20,325,000 دونم

حيازة صهيونية بموجب امتياز من الانتداب البريطاني

 

175,000 دونم

أراضي البلدات العربية التي بقيت بعد النكبة (لا تشمل الأراضي المتنازع عليها في النقب إلى الآن) وقبل مصادرة أراضٍ حتى سنة 1976

 

1,465,414 دونماً

أراضي اللاجئين الفلسطينيين (تشمل أرض الأوقاف)

 

5,178,000 دونم

أراضٍ موات، منها تم تحديد نحو 776,6 ألف دونم طالب بقية العرب البدو بتسجيل الملكية الخاصة عليها في الفترة 1971 – 1979، وما زالت إسرائيل لا تعترف بالملكية العربية عليها

 

12,000,000 دونم

حسب تقرير دائرة أراضي إسرائيل 1962 توزيع الأرض

   

أراضي دولة + سلطة التطوير**

(74,8­%)

15,205,000 دونم

ملكية خاصة عربية ويهودية

(6,8­%)

1,480,000 دونم

* بملكية الصندوق القومي اليهودي قبل سنة 1948 كان ما يقارب 936,000 دونم. وقد باع بن - غوريون بواسطة سلطة التطوير للصندوق ما مساحته 1,101,742 دونماً في كانون الثاني/يناير 1949، بالإضافة إلى نحو 1,271,734 دونماً في تشرين الأول/أكتوبر 1950. وحالياً يمتلك الصندوق ما يعادل 16,7­%من مساحة إسرائيل، أي نحو 3,396,333 دونماً.

** بحسب تقرير دائرة أراضي إسرائيل لسنة 1997 المساحة التي بملكية الدولة والصندوق القومي اليهودي هي 19,028,000 دونم خلافاً لما ذكر في تقرير سنة 1962 البالغ 18,775,000 دونم، وبحسب تقرير دائرة أراضي إسرائيل لسنة 2012 زادت المساحة فوصلت إلى 19,980,000 دونم، ومرد عملية الازدياد هذه هو استمرار تهويد الأرض.

 

ويندرج في ملكية مواطنين عرب فلسطينيين حالياً (لا تشمل الأراضي المتنازع عليها، وخصوصاً في النقب) نحو 3,5­% من مساحة دولة إسرائيل، أي نحو 713,000 دونم.

(ب) مخطط شارون سنة 1951:

في أعقاب النكبة وما رافقها من تطهير حيّزي وحضري،21 وتحويل أراضٍ، وطرد سكاني للفلسطينيين،22 مارست سلطات الدولة الإسرائيلية الحديثة استراتيجيا حيّزية تدمج بين إشغال المكان، بالإنسان الصهيوني اليهودي المعبأ بأيديولوجيا دينية أو علمانية مستخدمة السردية الدينية، وبين جيوسياسية مُتَبنية منهجية تخطيط حيّزي مركزي مبادر ومُجنَّد.23 هذه المنهجية صيغت بوثيقة تخطيط سنة 1951، تحت عنوان «تخطيط فيزيائي لإسرائيل»، أو كما بات يُعرَف بـ «مخطط شارون سنة 1951»24 (انظر الشكل 3). ويشكل هذا المخطط أول مخطط فيزيائي توجيهي وُضِع ونشر لاستشراف مستقبل إسرائيل الدولة. إذ لخص أسس نموذج واستراتيجيا وسياسة التخطيط الحيّزي التي استمرت تشكل أساساً لمدرسة وفقه التخطيط حتى نهاية سنوات الثمانينيات.25 وقد اعتمد هذا المخطط بصراحة على فكرة وحدة الأرض – السكان – الزمان، أو التخطيط لـ «استعادة الشعب اليهودي لأرضه». وتلخصت مبادئه المعلنة والخفية بالنقاط التالية:

  • توزيع وانتشار السكان اليهود حيّزياً، وتطوير الأطراف.
  • تشكيل تدرج (Rank Size) استيطاني حضري وقروي متوازن.
  • تأمين، على الأقل، توازن أو أغلبية ديموغرافية يهودية.
  • تركيز بقية السكان العرب الفلسطينيين الأصليين في أصغر مساحة، والحد من توسعهم الحيّزي.

وكان من أهم إنجازاته:

  • استيعاب وتوطين أكثر من 1,3 مليون مهاجر يهودي إلى الدولة المُنشأة، وذلك خلال الفترة 1949 – 1962، بمن في ذلك المهاجرون الوافدون من الدول العربية والإسلامية خلال العقدين الأولين لتأسيسها.
  • تحقيق أهداف التخطيط وإعادة رسم خريطة توزيع السكان وشبكة الاستيطان اليهودية والتي تتلخص بالنقاط التالية: (1) توزيع السكان اليهود على مناطق الأطراف (الجليل والنقب والمثلث) بحيث يسكن 70­% من اليهود في هذه المناطق؛ (2) إنتاج شبكة بلدات قروية ومدن متدرجة، تشمل إقامة مدن تطوير جديدة لاستيعاب المهاجرين الجدد، وخصوصاً القادمين من الدول العربية والإسلامية (مثل عراد في النقب، وكرميئيل في الجليل)، أو تحويل المدن العربية الفلسطينية التي تم طرد وتهجير سكانها إلى مدن تطوير، مثل بيسان وصفد وطبرية، لتكون بمثابة رديف قروي. وخلال العقد الأول لإقامة إسرائيل أقيم نحو 360 مستعمرة زراعية و40 مدينة، أغلبيتها على أنقاض قرى ومدن عربية فلسطينية، أو إلى جانبها، تعرّفها إسرائيل بأنها جديدة.
  • تقسيم مخطط الدولة الجديدة إلى 24 منطقة تخطيط/محافظة، فيها مركز يخدم محيطه القروي. والهدف من هذا المخطط تطبيق استعمار داخلي وإحلال عرقي في منطقة الأطراف،26 بالإضافة إلى حماية حدود وقف إطلاق النار واستيطان الأراضي التي جرى فيها تطهير حيّزي للعرب الفلسطينيين. وقد توقع المخطط أن يرتفع عدد سكان إسرائيل من نحو 900,000 سنة 1949 إلى 2,650,000 سنة 1965؛ وهي السنة التي حددها المخطط هدفاً له.27
  • ملء الفراغ الذي نشأ بعد طرد الفلسطينيين، وذلك عن طريق إقامة شبكة استيطان يهودي بموجب مخططات أعدها وأنجزها قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية، والذي عمل بصورة فعالة إلى جانب مؤسسات الدولة الرسمية لإقامة مستعمرات حديثة كما هو شأن مخطط إقليمي منطقة «لخيش» – كريات غات (الفالوجة).

صاغ مخطط شارون (1951) مدرسة وفقه التخطيط الفيزيائي لإسرائيل خلال العقود الأربعة على تأسيسها، مركِّزاً على ما يلي: توزيع وانتشار السكان اليهود حيّزياً؛ تركيز بقية السكان العرب الفلسطينيين الأصليين؛ تطوير الأطراف؛ إقامة القرى الزراعية والمدن الصغيرة؛ تحفيز المجتمعات القروية ودعمها؛ حماية الأراضي الزراعية؛ استخدام سيطرة الدولة على الأراضي لتحقيق أهدافها بموجب تخطيط مبادر، متجاهلاً التخطيط الانتدابي الناظم أو استخدامه بصورة انتقائية.28 وبالنسبة إلى المواطنين العرب الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم، فرضت الدولة عليهم الحكم العسكري خلال الفترة 1949 – 1966. وقد مارس هذا الحكم السياسات التالية: الضبط؛ الرقابة والسيطرة الفردية والجماعية والحيّزية، بما في ذلك مصادرة الأراضي؛ التخطيط الفيزيائي الحيّزي.

(ج) قانون التنظيم والبناء لسنة 1965 - مرحلة جديدة من الحوكمة:

استمرت مؤسسات التخطيط تعمل بعد إقامة إسرائيل بموجب أمر تنظيم المدن لسنة 1936 والمخططات التي أُقرت بموجبه. لكن الدولة الحديثة العهد مارست سياسات تخطيط وإنجاز غير ملتزمة أنظمة التخطيط الرسمية، على اعتبار أن الدولة في مرحلة طوارئ، وتسعى لتحقيق منجزات وتوفير متطلبات ربما تُعوَّق فيما لو عملت بموجب أنظمة بيروقراطية ثابتة.

ومن أجل ملء الفراغ الذي نشأ بعد نحو عقدين من إقامة دولة إسرائيل، أقر الكنيست «قانون التنظيم والبناء لسنة 1965»، وهو بمثابة تعديل لما سبقه من قوانين وتعليمات تتعلق بالتخطيط والبناء. وقد نظّم هذا القانون مبنى وعمل ومسؤوليات وصلاحيات كل ما يتعلق بالتخطيط والتطوير العمراني، وما زال ساري المفعول حتى اليوم، على الرغم من التعديلات التي أُدخلت عليه والتي وصل عددها إلى 122 تعديلاً. وبموجب هذا القانون تم إنشاء مؤسسات التخطيط المتدرجة والتنازلية من حيث الصلاحيات، والتي تُستخدَم أداة طيعة بيد الحكم المركزي وأذرعه من أجل السيطرة على الحيّز وضبط التطوير العمراني (انظر الشكل 2). وقد استخدم هذا القانون مصطلح المصلحة العامة الذي عنى، في سياق عمل مؤسسات التنظيم، خدمة أهداف الدولة والمجتمع اليهودي الصهيوني على المستوى القطري والإقليمي واللوائي والمحلي.29

يتألف قانون التنظيم والبناء الإسرائيلي من أحد عشر فصلاً، موزعة على 280 بنداً رئيسياً، إضافة إلى البنود الثانوية والملاحق، وجميعها ضمن كتيب يشمل 203 صفحات من القطع الوسط. ويعتبر هذا القانون من أعقد القوانين في إسرائيل، إذ يرتبط ويتبنى ويشير إلى قوانين أُخرى كجزء من تفصيلاته، بما في ذلك قانون الأراضي لسنة 1969، وقانون الصحة العامة، وقانون العقوبات... إلخ. كما يشتمل القانون على إضافات تشكل جزءاً لا يتجزأ منه، مثل: الإضافة الأولى التي تهدف إلى حماية الأراضي الزراعية؛ الإضافة الثالثة التي تشير إلى تعليمات تحسين الأراضي نتيجة التخطيط ودفع ضرائب التحسين؛ الإضافة الرابعة التي تنظم عملية التجديد الحضري وحفظ الموروث... إلخ. ولكل مجال من هذه المجالات تم إنشاء مؤسسات، وتأليف لجان تنظيم، وتأسيس إدارة ثانوية تدير وتنظم عملية التخطيط والتطوير العمراني.30

(د) مخططات هيكلية ولجان تنظيم تعمل بموجب قانون التنظيم والبناء لسنة 1965:

وفقًا لما جاء في القانون يجب إعداد مخططات هيكلية قطرية وإقليمية ولوائية ومحلية لكل حيّز تمت تسميته منطقة تخطيطية. وكذلك فإن منظومة التخطيط الحيّزي المعمول بها بموجب هذا القانون، والتعديلات التي أجريت عليه، مكونة من مؤسسات تخطيط ومخططات هيكلية وُضعت على ثلاثة مستويات: مخططات قطرية وقطاعية تشمل كل مساحة إسرائيل، مثل مخطط قطري رقم 35، ومخطط الأحراج والتحريج رقم 22؛ مخططات لوائية، مثل مخطط لوائي رقم 1 تعديل رقم 30 للواء القدس، ومخطط لوائي رقم 2 تعديل رقم 9 للواء الشمال؛ مخططات هيكلية ومحلية تشمل مدناً وقرى، أو أجزاء منها، تكون أساساً لإصدار رخص بناء بموجبها، إذ يؤكد القانون عدم جواز تشييد أو هدم بناء من دون الحصول على رخصة من سلطة تنظيم محلية، بموجب مخطط هيكلي مصادق عليه.

يتم تصديق المخططات من جانب مؤسسات التخطيط، وعلى رأسها الحكومة الإسرائيلية ممثلة بوزير الداخلية، ومن ثم المجلس القطري للتخطيط والبناء، وبعده اللجان اللوائية للتنظيم والبناء، تليها اللجان المحلية البلدية والإقليمية.31 وتعتمد هذه اللجان على مبنى تدرجي معقد؛ فاللجنة العليا تَفرض على لجنة التخطيط التي تليها، أي أن قرارات الحكومة تُلزم المجلس القطري للتخطيط والبناء، والمجلس القطري يلزم اللجان اللوائية والبلدية والمحلية، واللجان اللوائية تلزم اللجان المحلية.32 وهذا المبنى المركزي التدرجي والخاضع للحكومة هو أساس لإدارة العملية التخطيطية، من إعداد ومصادقة على مخططات إلى تطبيقها بموجب منح رخص بناء. وهذا يعني وجود قوة مركزة في يد الحكومة لتحقيق أهداف كبرى، مثل توزيع السكان اليهود وتوطينهم في مستعمرات بلدتية وقروية في المناطق التي يسكنها العرب الفلسطينيون مثل الجليل والمثلث والنقب، كذلك هندسة الحيّز بواسطة تحديد برامج تخطيطية توجه وتلزم إعداد المخططات والتي تأخذ بعين الاعتبار الزيادات السكانية، وملكية الأراضي، وموارد وبنى تحتية قطرية تخدم الدولة.33 كذلك فإن المخطط الهيكلي يشكل أداة لضبط توسع البلدات وإعلان منطقة للتطوير، أو منع أي تطوير فيها.

 

الشكل 2: تدرج المخططات الرسمية والتوجيهية
التي تشكل أساساً لحوكمة الحيّز التخطيطي والتطوير العمراني
بموجب القانون - هيكلية نظام التخطيط ومستوياته

 

(هـ) التخطيط في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بعد سنة 1967:

بعد احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية (الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، والجولان السوري، وسيناء المصرية، سنة 1967، مارست في هذه المناطق سياسات تخطيط حيّزي تعتمد على تجربة فترة ما قبل الدولة وتشكيل الأمة وفترة بناء الدولة، فأقيمت مستعمرات زراعية في البداية، ومن ثم بلدات مدينية.34

بالنسبة إلى الضفة الفلسطينية جرى، بعد احتلالها، إعداد مخططات إقليمية حيّزية من جانب أقسام الاستيطان في مؤسسات الحركة الصهيونية، لتوجيه الاستيطان الصهيوني، أو من جانب قادة سياسيين ومؤسسات يهودية صهيونية لتثبيت الاحتلال العسكري بواسطة تطبيق سياسات وأدوات استعمارية، مع محاولة منحها خصوصية المبررات العقائدية المرتبطة بادعاء تاريخي ديني بشأن حق اليهود السياسي في البلد.35 وقد جرى تحقيق هذا الادعاء باستخدام قوة الدولة وسن قوانين جديدة لضم القدس الشرقية والجولان وتطبيق القانون المدني الإسرائيلي عليهما، بما في ذلك كل ما يتعلق بحوكمة الأرض والتخطيط والعمران. ومن البديهي طبعاً أن هذه القوانين خرقت عملياً كل القوانين والأعراف الدولية. وبموازاة ذلك أبقى الاحتلال الإسرائيلي على العمل في الضفة الفلسطينية بموجب قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية رقم 79 لسنة 1966 الأردني، بعد إجراء تعديلات عليه بموجب أوامر عسكرية، مثل الأمر العسكري رقم 418 لسنة 1970. وأقرت أوامر عسكرية بقطاع غزة تعديلاً لأمر تنظيم المدن لسنة 1936 الساري المفعول. كما أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي بادرت إلى إقامة مستعمرات صهيونية جديدة قروية ومجتمعية في قطاع غزة، وشمالي سيناء، ومنطقة الغور الفلسطيني من الضفة الفلسطينية، بداية، ولاحقاً في باقي أرجاء الضفة الفلسطينية. كما أقيمت مستعمرات في هضبة الجولان بموجب مخططات هيكلية إقليمية، أغلبيتها لم تُقَر من مؤسسات التخطيط وفق القانون الساري المفعول، أو وفق المخططات الهيكلية المقَرة بموجبه. وما زال الاستعمار يتعمق ويتوسع في الضفة الفلسطينية مستخدماً التخطيط الحيّزي ومؤسسات التخطيط المسيطر عليها، وخصوصاً في المنطقة المسماة «ج». وهذه المخططات الإقليمية لم تُعَدِّل المخططات الإقليمية الانتدابية رسمياً في منطقة الضفة الفلسطينية، وإنما عدلتها جزئياً وموضعياً بموجب مخططات هيكلية محلية أُعدت لإقامة مستعمرة ما، أو لتشييد طرق أو منشآت عسكرية تتم مَدْيَنَتها مع الوقت. كما تُستغَل أجهزة التخطيط الإسرائيلية لإقامة مبانٍ ومنشآت موقتة خدمةً للحكم المركزي، وتتم شرعنتها بموجب قرارات حكومية إسرائيلية متحايلة على القانون الدولي.

ووفق هذه المخططات رسخ الاحتلال الإسرائيلي تخطيطاً استعمارياً في الضفة الفلسطينية، أدى إلى نشوء شبكة استيطان صهيوني تجاوز عدد المستعمرات فيها 238 مستعمرة، يعيش فيها ما يزيد على 450 ألف مستعمر، مشكلين نحو خُمس السكان في الضفة الفلسطينية حالياً.36 وعلى الرغم من أن إسرائيل تمارس سياسات تخطيط بواسطة مؤسسات تخطيط منفصلة إدارياً في الضفة الفلسطينية،37 فإنها عملياً تمارس سياسات تخطيط تؤمن استمرار سيطرتها على الضفة الفلسطينية. كما ترجمت إسرائيل سيادتها على القدس الشرقية بمصادرة 40­% من الأراضي المضمومة، أُجري عليها تخطيط مطور وإقامة 13 مستعمرة (أحياء بحسب التعريف الإسرائيلي) مدينية، بلغ عدد سكانها اليهود حالياً نحو 220 ألف مستوطن، بينما استُخدم التخطيط مصيدة لضبط تطور الفلسطينيين.38 وفي المقابل، فُرض على الأحياء والحيّز الفلسطيني المقدسي كل سياسات التخطيط الناظم والضابط بموجب القانون والمخططات الإسرائيلية.

حالياً تخضع الأراضي العربية التي احتُلت سنة 1967، والتي ما زالت تخضع لإسرائيل، لثلاثة أنواع من النظم التخطيطية. فالقدس الشرقية والجولان يخضعان للسيادة الإسرائيلية المفروضة قسرياً، وتطبق عليهما إجراءات التنظيم
نفسها المعمول بها في إسرائيل، مع فارق استخدام تخطيط مطور للاستعمار الصهيوني القروي والمديني، ومعوّق ومحاصر للتخطيط العربي. أمّا في الضفة الفلسطينية فهي رسمياً تخضع لقانون التنظيم الأردني لسنة 1966 وما أُجري عليه من تعديلات بموجب أوامر عسكرية تسري على المنطقة المسماة «ج»، والتي يمارس الاحتلال فيها نموذجين من التخطيط وتطبيقه وإدارته: الأول يخص المستوطنين الإسرائيليين، والآخر يخص الفلسطينيين. ففيما يتعلق بالإسرائيليين، فإن مؤسسات التخطيط تابعة رسمياً للحكم العسكري، لكنها عملياً تطبق النظام البيروقراطي ونهج التخطيط الساري والمعمول به في إسرائيل. أمّا بشأن الفلسطينيين، فتطبق عليهم ضوابط التخطيط الانتدابي الذي ما زال ساري المفعول، ومعوقات الحكم العسكري الإسرائيلي.

ثالثاً - تحولات مفصلية في مفهوم التخطيط المركزي

(أ) التخطيط الجيوسياسي - الديموغرافي الانتشاري:

في الفترة بين سنة 1965 وسنة 1990 أُعدت مخططات قطرية لتوزيع السكان اليهود، مثل مخطط «النشر الجغرافي لسكان إسرائيل خمسة ملايين» لسنة 1985، ومخطط «النشر الجغرافي لسكان إسرائيل سبعـة ملايين» لسنة 2000. وقَسَّمت هذه المخططات السكان في إسرائيل بحسب الألوية والأقضية والمناطق الطبيعية والمدن الكبيرة. وقد أقرت الحكومة هذه المخططات وشكلت أساس برنامج تخطيطي لإعداد مخططات هيكلية لاستخدامات أراضٍ في الألوية والمدن والقرى. لكن هذه المخططات القطرية لم تُرفَق بخرائط استخدامات أراضٍ، وإنما ركزت على سياسات توزيع السكان ومنح محفزات تنموية لرسم الخريطة العمرانية والسكانية المرغوب فيها، وخصوصاً توزيع ونشر السكان اليهود في مناطق الأطراف: الجليل والنقب والمثلث والقدس، حيث يتركز السكان العرب. وتحقق سياسة التخطيط التي عبّرت عنها هذه المخططات واقعاً فيه أغلبية يهودية تحول دون تغيير واقع الحدود الجيوسياسية القائمة داخل الخط الأخضر.

لقد جرى تحول في مدرسة وفقه التخطيط الرسمي التدرجي الإسرائيلي، وذلك في بداية التسعينيات،39 بعد هجرة نحو 750 ألف يهودي من الاتحاد السوفياتي، وقدومهم إلى إسرائيل نتيجة عوامل طرد من الاتحاد السوفياتي وترحيب إسرائيلي بقدومهم إليها، مشكلين مورداً بشرياً لم يكن متوقعاً. وقد استثمرت إسرائيل هذا المورد البشري كمياً ونوعياً. وكمثال لهذا الاستثمار إعادة تشكيل الخريطة السكانية وتوزيع السكان، بحيث تم تغيير سياسة التخطيط من التركيز على توزيع ونشر السكان اليهود في مناطق الأطراف الجغرافية، لتثبيت حدود الدولة الحديثة المنشأ، متجاوزة قرار التقسيم رقم 181، ومحتلة أراضي فلسطينية تسعى لتأمين تهويدها،40 إلى منح المدن عامة، ومنطقة تل أبيب خاصة، أهمية وأولوية. وبالتالي، جرى التحول من سياسة تخطيط تلخَّص بـ «توزيع مُوَزِّع»، أي توزيع السكان اليهود على قرى وبلدات صغيرة في الأطراف، إلى سياسة تلخَّص بـ «توزيع مُرَكَّز»، أي تركيز التطوير في المدن، وخصوصاً في منطقة المركز.

وهذا التحول في مدرسة وفقه التخطيط تم التعبير عنه من خلال إعداد «مخطط قطري لإسرائيل رقم 31»، أقرته الحكومة الإسرائيلية سنة 1992 (انظر الشكل 3)، وكانت سنة هدفه 1995، ومهمته استيعاب الهجرة الكبيرة غير المتوقعة التي جاءت إلى إسرائيل من دون أن تكون مستعدة لها.41 وقد تجاوزت هذه الهجرة الكبيرة، كماً ونوعاً، الهجرة التي حدثت في الأعوام الخمسة الأولى لإقامة إسرائيل (انظر الشكل 4).
واقترح «مخطط قطري لإسرائيل رقم 31» تحويل نموذج التخطيط الحيّزي القطري من التركيز على توزيع السكان على الأطراف إلى تطوير أربع حاضرات (metropolitans): تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع. واقترح أن يكون التركيز في التطوير على «منطقة القلب» المؤلفة من مثلث قاعدة مدن الساحل من الخضيرة حتى عسقلان، ورأسه القدس. وشمل المخطط خرائط استخدامات أراضٍ، وملاحق تنموية لتطوير البنى التحتية، وبرنامجاً إنجازياً مدته خمسة أعوام لتحقيق سياسات التخطيط.

إلاّ إن نموذج الانتشار وتوسيع حدود الاستعمار اليهودي عبر العمران الاستيطاني ما زال قائماً في المناطق التي احتُلت سنة 1967.

(ب) التحول نحو الحاضرات المدنية - انطلاق مبادرات التخطيط التوجيهي من المجتمع المدني:

كان المخطط القطري رقم 31 قد أُعد بموجب التخطيط الرسمي المقونن، وكشف عن عجز المنظومة التخطيطية لتلبية الحاجات المستجدة للدولة. وقد دفع هذا العجز مدارس التخطيط إلى وضع منهجية ونموذج تخطيط حيّزي جديد وطويل المدى، فبادر مخططون وأكاديميون من كلية العمارة وبناء المدن في التخنيون سنة 1991 إلى إعداد مخطط رئيسي حيّزي طويل المدى، تضمن أسس سيناريوهات استشراف إسرائيل لسنة 2020، منطلقين من الواقع السائد سنة 1990، ومتأثرين بنموذج التخطيط الهولندي. وقد انضم لاحقاً إلى طاقم إعداد المخطط طواقم حكومية لرسم صورة إسرائيل الحيّزية والقطاعية لسنة 2020.42 وهذه المبادرة إلى إعداد مخطط شمولي رئيسي عام للدولة من جانب مؤسسة غير حكومية تشكل منطلقَ نقل المبادرات الحكومية التخطيطية الحيّزية إلى مبادرات مهنية أكاديمية وكذلك إلى مؤسسات المجتمع المدني، كما هو شأن إعداد مخططات بديلة مقاومة،43 أو مخططات توجيهية حيّزية واستراتيجية مثل مخطط «إسرائيل 100: مخطط استراتيجي حيّزي لإسرائيل سنة 2048»،44 وسنعود إليه لاحقاً.

وضع المخطط الرئيسي التوجيهي لاستشراف إسرائيل سنة 2020 صورة المستقبل الحيّزية والوظائفية لإسرائيل، إضافة إلى سيناريوهات اقتصادية وبيئية وفيزيائية ترجمها إلى سياسات إنجازية تعتمد على قاعدة أن التمدن هو قاطرة التطوير، ورافعة النمو والتنمية في إسرائيل؛ لذا تم التركيز على تنمية المدن استعداداً للقرن الحادي والعشرين، الذي يعرف بقرن المدن.45 كما أن المخطط أخذ بعين الاعتبار دخول إسرائيل سوق العولمة والاستدامة البيئية، ووضع قواعد لكيفية استعداد إسرائيل للعقود الثلاثة المقبلة (1990 – 2020). لكن معدِّي المخطط والمشرفين عليه غفلوا عن التحولات الجيوسياسية التي شملت عقد الاتفاقيات المرحلية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (اتفاقيات أوسلو)، ولاحقاً مع الأردن (وادي العربة). وهذا التجاهل أو الإغفال كان مقصوداً، وعكس الرؤية السياسية العميقة والمختلف في شأنها بين المبادرين إلى إعداد المخطط والمشاركين فيه، والتي منعت تبلور توافق على كيفية التعامل مع مستقبل الأراضي الفلسطينية. لذلك توافق معدو المخطط على المتفق والمجمع عليه، وهو حدود الخط الأخضر لتكون حدود المخطط، وتجاهلوا التخطيط فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك على الرغم من أن هذه الاتفاقيات وفرت الفرص لاستشراف مستقبل حيّزي آخر، بما في ذلك إمكان تحويل إسرائيل من «جزيرة» جسمها في الشرق الأوسط ورأسها ووجهتها نحو الغرب، إلى حال دولة مُشبكة، لها امتداد وتكامل وظائفي مع الدول المحيطة، بما في ذلك الدولة الفلسطينية المستقبلية، التي سوف تتقاسم معها أرض فلسطين.46

(ج) عودة إلى التخطيط الرسمي المقونن:

بناء على فكر ومضامين ورسالة المخطط الرئيسي التوجيهي لاستشراف إسرائيل لسنة 2020، تم إعداد مخطط قطري رسمي لاستخدامات الأراضي رقم 35 الساري مفعوله حالياً (انظر الشكل 3). وحدد هذا المخطط سياسات وأدوات التخطيط من خلال وضع خطة استخدام أراضٍ لإسرائيل داخل الخط الأخضر. وقد صادقت الحكومة الإسرائيلية على المخطط القطري رقم 35 سنة 2005، وأصبح مخططاً ملزماً لمضامين المخططات الهيكلية اللوائية والمحلية حتى سنة 2035. وأدخل هذا المخطط لغة جديدة في نموذج ومدارس التخطيط منطلقاً من مبادئ التخطيط المستدام. وبقيت حدود المخطط محافظة على حدود إسرائيل داخل الخط الأخضر، كما هو شأن سائر المخططات القطرية والإقليمية الرسمية السابقة، بالإضافة إلى القدس الشرقية وهضبة الجولان اللتين ضمتا إلى السيادة الإسرائيلية خلافاً للقانون والأعراف الدولية والأممية. لكن المخطط تجاوز، في منطقه التخطيطي، هذا الحد الرسمي (الخط الأخضر)، إذ أتى إلى ذكر المركَّبات الوظائفية والبيئية ليشمل منطقة الضفة الفلسطينية والتي تدار من قِبَل مؤسسات تخطيط تابعة للاحتلال الإسرائيلي،47 وخصوصاً في المنطقة المسماة «ج» بحسب الاتفاقيات المرحلية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي تعرف باتفاقيات أُوسلو، على الرغم من إبقاء التعامل معها رسمياً كأنها خارج حدود المخطط بصفتها مناطق خارج سيادة إسرائيل الرسمية، كما سنوضح لاحقاً. كذلك التفت المخطط إلى حاجات المستعمرين الصهيونيين في الضفة الفلسطينية وربطهم بإسرائيل وظائفياً، بينما تجاهل الفلسطينيين وحاجاتهم مفترضاً أن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن التخطيط الحيّزي والحوكمة المَدَنية، بما في ذلك الأرض والعمران، في المنطقتين «أ» و«ب» بحسب اتفاقيات أوسلو.

 

الشكل 3: تطور المخططات الهيكلية القطرية الرئيسية التوجيهية والمقرة قانونياً، وانتقالها من سياسات التوزيع الموزع إلى التركيز والتركيز الموزع

(مخطط شارون يظهر استراتيجيا توزيع السكان، ومخطط 31 يظهر التركيز في محيط الحاضرات، أمّا مخطط رئيسي 2020 ومخطط قطري رقم 35 فيظهر اللون البرتقالي فيهما توزيع السكان الموزع المركز)

 

هناك عوامل متعددة تؤثر في رسم صورة المستقبل الحيّزية. لكن هذه الصورة العامة تحتاج إلى تفصيلات بعد أن وُضعت محاورها في مخطط رئيسي 2020، وفي المخطط القطري رقم 35. وبموجب هذا المخطط صودق على مخططات تفصيلية لبناء نحو 650 ألف وحدة سكنية جديدة، تستوعب نحو 2,5 مليون نسمة حتى سنة 2035. وقد أشار المخطط الاستراتيجي الذي أعدته مديرية التخطيط في وزارة المالية إلى وجوب إضافة نحو 2,612 ألف وحدة سكنية حتى سنة 2040، منها 888,5 ألفاً تعتمد على التجديد العمراني، و532 ألفاً لحل وتوفير حلول السكن لدى العرب الفلسطينيين في إسرائيل، منها 41­% مخصصة لمنطقة المركز وتل أبيب.48 وبموازاة ذلك، أُعدت مخططات هيكلية لمدن وسطية يهودية وعربية في الأطراف، ولتوسيع السكن في القرى الزراعية في محاولة جذب يهود إليها كي تحول دون فقدانها لسكانها ولحفظ الميزان الديموغرافي بين العرب واليهود في الأطراف، وإعاقة هجرة عرب للسكن في المدن اليهودية، تطبيقاً لهدف إبقاء الفصل قدر الإمكان بين اليهود والعرب، حتى داخل إسرائيل، على الرغم من المشاركة غير المتناظرة في إنتاج الحيّز العام واستهلاكه.

رابعاً - قضايا وإشكاليات مركزية في تحولات عمل النظام التخطيطي

حدثت خلال العقدين الأخيرين تحولات في عمل وأداء مؤسسات حكومية وبلدية وممثلة للمجتمع المدني، على الرغم من الإبقاء على المبنى المركزي التدرجي التنازلي المقونن. وقد جاءت هذه التحولات نتيجة تغيرات أيديولوجية تُرجمت إلى تعديلات في سياسات وصلاحيات مؤسسات التخطيط. ويمكن تلخيص هذه التحولات بزيادة شفافية عمل مؤسسات التخطيط وفرص حصول المواطنين على المخططات لزيادة إشراكهم في العمل التخطيطي ومنتوجاته. ولقد وفرت مديرية التخطيط التابعة لوزارة المالية مواقع إنترنت تعرض فيها المخططات،49 ومن خلالها يتم التواصل مع مؤسسات التخطيط ولجانه. ونتيجة زيادة الشفافية في عمل مؤسسات التخطيط تقلصت المدة التي تستغرقها عملية المصادقة على المخططات الهيكلية، المنصوص عليها ضمن صلاحية اللجنة اللوائية، من 3 – 6 أعوام سنة 2012، إلى 1 – 2 من الأعوام سنة 2019. وقد ازدادت نسبة المخططات الهيكلية التي اتخذت اللجنة اللوائية قراراً بشأنها خلال 18 شهراً، من 65­% سنة 2016 إلى 78­% سنة 2019.50 وبحسب تعديل القانون يجب نشر محاضر جلسات لجان التنظيم خلال ثلاثة أيام. وتبين خلال سنة 2019 أن معدل نشر قرارات ومحاضر جلسات اللجان القطرية واللوائية وصل إلى ما بين 83­% و100­%. وكان الهدف من هذا التسريع في عمل مؤسسات التخطيط توفير فرص وضع مشاريع وتطويرها، وإزالة صبغة دمغت مؤسسات التخطيط بأنها تشكل معوّقاً أمام التطوير العمراني، مستخدمة ذرائع وحجج الحفاظ على الأراضي الزراعية والمحميات الطبيعية. وبموجب هذه الذرائع حُددت المساحات التي يمكن التطوير العمراني فيها بموجب مخططات قطرية وإقليمية، وحتى محلية. وأصبحت هذه الذرائع تشكل أساس توافق عليها بين أجهزة الدولة وممثلي مؤسسات وجمعيات حماية الطبيعة. كما أن استخدام تقنيات الحوسبة ساهم في انتقال المعلومات التخطيطية بعد أن تم وضع معظم المخططات في متناول الجمهور.

وكجزء من عملية دمقرطة مؤسسات التخطيط، وزيادة شفافية عملها وفرص الوصول إليه، تم تفويض صلاحيات إلى لجان التنظيم المحلية والبلدية، وإقامة لجان فرعية متخصصة حصلت على بعض صلاحيات المجلس القطري للتخطيط، وبذلك انتقل مبنى مؤسسات التخطيط من النموذج الهرمي المركزي إلى النموذج الموازي الموزع والقطاعي. وفي بعض الأحيان مُنحت صلاحيات أكثر لممثلي الحكومة في لجان التخطيط القطرية من أجل تسهيل عملية إقرار مخططات مشاريع قطرية متعلقة بالبنى التحتية القطرية (مثل: خطوط الغاز؛ المطارات؛ الطرق القطرية؛ توليد الطاقة وخطوط الكهرباء؛ مشاريع تحلية المياه؛ إلخ)، وذلك من خلال لجان خاصة. وكجزء من تسريع عملية المصادقة على المخططات لحل مشكلة السكن والتشغيل أُنشئت لجنة خاصة (لجنة تصديق وحدات تخطيطية مفضلة للسكن – فتمال)، مُنحت صلاحية المصادقة على مخططات تفصيلية يمكن من خلالها، وبموجبها، إصدار رخص بناء للتخلص من الضائقة السكنية، وتخصيص أراضٍ للتطوير والتوسع العمراني، بما في ذلك إمكان التجديد الحضري. وصدّقت هذه اللجنة سنة 2019 على 68 مخططاً بعد دراستها وتفحصها، كما صدّقت على 15 مخططاً مكنت من بناء 65,459 وحدة سكنية.51

وكتعبير عن زيادة أهمية التخطيط الحيّزي، وإزالة إمكان بروز حواجز ومعوقات بيروقراطية أمام التطوير العمراني في إسرائيل، تمت زيادة الميزانيات المخصصة لمديرية التخطيط من 197 مليون شاقل جديد سنة 2013 إلى 405 ملايين شاقل جديد سنة 2019؛ أي مضاعفة الميزانية خلال ستة أعوام.52 وبهذا يتم إجراء تحولات في أجهزة التنظيم وأدائها لتسهِّل عملية التخطيط والترخيص في الحالات التي يوجد توافق سياسي على إقرارها المخططات، وأغلبيتها مخصصة للبلدات اليهودية، بينما ما زالت المعوقات قائمة أمام وضع وإقرار المخططات الهيكلية في البلدات العربية، وخصوصاً في حال حل مسألة ما يعرف بالبناء غير المرخص، وإقرار مخططات هيكلية لقرى عربية ما زالت الدولة لا تعترف بها، ولا سيما في النقب، وتسعى لهدمها وتفريغها من سكانها.53 وهذا يعني أنه لو كانت الحكومة الإسرائيلية جادة في حل مشكلة السكن لدى السكان العرب، بما في ذلك القدس الشرقية والنقب، حيث يوجد معظم ما يعرف بالبناء غير المرخص، لكانت استخدمت مؤسسات التخطيط وصدّقت على مخططات هيكلية وتفصيلية لها. ويجدر بالذكر أن ظاهرة البناء غير المرخص موجودة في البلدات اليهودية والعربية، لكن في حال البلدات اليهودية تتعامل مؤسسات الدولة معها على أنها مشكلة ذات جوانب مدنية، بينما في حال البلدات العربية يتم التعامل معها من منطلقات عرقية/سياسية، وحتى أمنية.

إن التحولات الشكلية والإجرائية في عقيدة التخطيط الحيّزي وسياسات وأدوات ممارسته ما زالت متخلفة عن تحقيق الإشراك والمشاركة الفعليين للعرب الفلسطينيين مواطني إسرائيل؛ إذ ما زال التخطيط الحيّزي يشكل مصدر صراع بين المواطنين العرب الفلسطينيين وبين مؤسسات التخطيط والدولة، على الرغم من التحول في حجم الصراع وعمقه وشكله. فالعرب ينظرون إلى التخطيط المحلي لبلداتهم كروافع تنموية، بينما الدولة ومؤسساتها التخطيطية ما زالت تمارس تخطيطاً إقليمياً في النقب والمثلث والجليل والجولان السوري المحتل يحصر تطور البلدات العربية. ولمواجهة هذه المخططات يقدم المواطنون العرب وممثلوهم الاعتراضات من خلال مؤسسات التخطيط، ويتوجهون إلى المحاكم، وحتى ينظمون تظاهرات واحتجاجات جماهرية وشعبية كما هو شأن مخطط توطين البدو، الذي عُرف بمخطط برافير 2013، والذي جوبه باحتجاجات على هدم بيوت وقرى غير معترف بها في النقب وفي المدن المختلطة، وكذلك قاموا بتظاهرات اعتراضاً على توسيع طرق وإقامة محميات طبيعية ومحاجر في الجليل والجولان المحتل. وهذه الاحتجاجات والاعتراضات على المخططات التي تعدها مؤسسات التخطيط لا تحقق كل أهدافها، لأن بعضها يخالف بنيوياً نموذج التخطيط الإسرائيلي. لكن زيادة الوعي لدى المواطنين لمواجهة التخطيط الرسمي بتخطيط بديل هي جزء من التحولات في التعامل مع التخطيط الحيّزي، لا بإنكاره والاحتجاج عليه، بل بتخفيف أضراره.

خامساً - تحولات في الخطاب التخطيطي تعبير عن التغيرات في حوكمة الحيّز

يعبّر الخطاب التخطيطي عن الموارد الرمزية والأدائية والوظائفية التي يتضمنها التخطيط الحيّزي، ويصوغ عمليات إنجازه. ويتأثر هذا الخطاب بأهداف التخطيط وعلاقات القوة والمنتوج التخطيطي المرغوب فيه.54 لذا فإن عرضنا الموجز لتحولات الخطاب التخطيطي الحيّزي في إسرائيل يمكّننا من تلخيص رؤيته ورسالته وأهدافه وتوتراته، بما أنه يتأثر بعلاقات القوة وجدلية المخطط – المنتوج الفعلي.55 إن مراجعة خطاب التخطيط تظهر أن الكلمات المفتاحية المتكررة في العقد الأول لإقامة إسرائيل ركزت على خطاب بناء أمة، وتهويد الحيّز وعبرنته، وصيانة الحدود، وتوزيع السكان اليهود، واستيعاب الهجرة وتوجيهها إلى الأطراف، وتوفير ميزان جيوديموغرافي، وصوغ الإسرائيلي الجديد، وإقامة قرى زراعية، وتشكيل شبكة قروية وحضرية متدرجة، وازدهار القفر، وتخطيط مركزي تنازلي، وفصل إثنو – قومي حيّزي، وتركيز بقية العرب الفلسطينيين الذين تحولوا إلى أقلية مغلوب على أمرها بعد النكبة، وإجراء تطهير حضري (Urbocide) للمدينة الفلسطينية. فقد أصبحت بقية العرب في إسرائيل بعد النكبة أقلية قروية تتبع أنماطاً اجتماعية تقليدية، وتعيش في الأطراف الجغرافية للدولة المنشأة، في قرى وبلدات صغيرة، مرتبطة اقتصادياً بالمركز والمدينة اليهودية المجاورة. وقد تجاهل مخطط شارون سنة 1951 هذه الأقلية في البداية، وتوقع هجرة أفرادها إلى المركز أو تركيزهم في الأطراف، وأن زيادتهم سوف تعتمد على الزيادة الطبيعية المتناقصة. وهذا التناقص هو نتيجة مباشرة لعملية التمدين والهجرة إلى المدينة التي كان من المتوقع أن يمر بها هذا المجتمع. لذا فإن الخطاب التخطيطي الناظم والمحدد تعامَل مع الحيّز العربي على أنه تهديد للدولة.

وقد تحوَّل خطاب بناء الأمة والسيطرة على الأرض هذا، الذي يهاب بقاء أراضٍ فارغة وغير مُشْغَلة بمستعمرات يهودية حلت محل شبكة البلدات العربية الفلسطينية قبل النكبة،56 إلى خطاب يركز على تطوير المدينة بدل القرية، وحفظ المناطق المفتوحة والأراضي الزراعية، وتكثيف السكن، وبناء المجتمع بموجب تخطيط ناظم موجه، وإجراء إصلاحات في المؤسسات التخطيطية التي تميل إلى التوزيع وتفويض صلاحيات من القطري إلى المحلي. وقد تبنى الخطاب الجديد الاستدامة والربط بين الأبعاد السوسيو – ثقافية والاقتصادية والبيئية والفيزيائية في الخطاب التخطيطي. وبعد أن ساد الخطاب المؤسَّس على الأيديولوجيا الاشتراكية ولاحقاً على دولة الرفاه، بات الخطاب التخطيطي وحوكمة الأراضي، منذ التسعينيات، يعتمدان على الأيديولوجيا الاقتصادية – الاجتماعية – الليبرالية والسوق الحرة، وكل ذلك في ظل أيديولوجيا صهيونية ناظمة مستوعبة لهذه التحولات ومتكيفة معها. وتُرجم هذا التحول من خلال انخفاض دور الدولة في منح مناطق الأطراف والجليل والنقب الدعم المالي، بينما انتقل هذا الدعم إلى المستعمرات المُنْشأة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس الشرقية. ورافق هذا التحولَ دخولُ إسرائيل عالم العولمة، وتأمين إسرائيل لحدودها، بعد الاتفاقيات المعقودة مع الدول العربية المحيطة، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، التي حولت الصراع من حالة صراع على الوجود إلى حالة نزاع على الحدود. وبما أن الخطاب التخطيطي يترجم أيضاً علاقات القوة،57 ويصوغ عملية إنتاج تخطيط مرغوب فيه، نجد أن الكلمات المفتاحية في هذا الخطاب تركز حالياً على التكثيف الحيّزي، والتحديث الحضري، وسوق أراضٍ حرة، وشقق سكنية مكان بيوت سكنية، ومشاركة الجمهور، وتفويض التخطيط إلى الحكم المحلي، وعدل توزيعي، وهجرة إيجابية إلى مدن المركز، وتكوين حاضرات مدينية، وجَسْر فجوات اجتماعية وحيّزية... إلخ. والسؤال المطروح: ما هو الخطاب التخطيطي الحيّزي، وما هي مفاتيحه؟

حالياً يجري نقاش جاد في مؤسسات التخطيط بشأن إنتاج خطاب خاص بالعقود المقبلة. فثمة مدرسة ترغب في تثبيت الخطاب الحالي لأنه يخدم أجندة الدولة. وفي المقابل سينشأ خطاب في مركزة العدالة التخطيطية، ودمقرطة التخطيط، وإعادة تقسيم الموارد، وتأمين أعلى درجة من حرية الفرد، وإنشاء حيّز عام يحترم الحقوق والتنوع. كما ستكون محاور الخطاب إنتاج تسويات جيوسياسية، وتخطيطاً عابراً للحدود، من التركيز على الحيّز إلى التركيز على الوظائف الذي يقدمه التخطيط كأداة تعتمد المنهج التركيبي الشبكي، والمنهج الخطي التسطيحي. وسيتأثر الخطاب التخطيطي بخطاب التخطيط المستحدث عالمياً، والذي يركز على الاستدامة والمناعة وترشيد الموارد. وهذا الخطاب سيواجَه بانتقاد من جانب المستعمرين وداعميهم من اليمين السياسي والعقائدي في إسرائيل. إذ إن اليمين مستمر في التركيز على خطاب التميّز والخصوصية الإثنية العرقية الصهيونية، والتركيز على السيطرة على الأرض، واستخدام التخطيط لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني الذي يربط بين المكان والإنسان اليهودي والعقيدة الدينية والجيوسياسية. ويجدر بالذكر أن كلا الخطابين الليبرالي واليميني ما زال ضمن أجندة تخطيط حيّزي يحفظ المشروع الصهيوني ومنجزات الدولة القومية اليهودية، ولم يتجاوزها لإحقاق الحقوق التخطيطية للمواطنين العرب، وخصوصاً في النقب حيث النزاع على الأرض والمسكن ما زال يشكل لب الصراع، وحيث أكثر من 35 قرية عربية ما زالت غير معترف بها من ناحية تخطيطية وإدارية، والقرى الباقية محاصرة تخطيطياً. ويسعى الخطاب التخطيطي إلى تمدين هذه البلدات، وزيادة كثافة السكن فيها، وإبقاء تبعيتها التنموية للمراكز الحضرية اليهودية. ويتم التعبير عن إشكاليات الخطاب التخطيطي عند قراءة التحولات في سياسات حوكمة الأراضي لارتباطها العضوي المباشر بسياسات التخطيط الحيّزي كما سنوضح بإيجاز فيما يلي.

سادساً - أيديولوجيا النظام السياسي وهيكلية نظام التخطيط الحيّزي

تنعكس التحولات السياسية والأيديولوجية والتحولات في فقه التخطيط المعروض أعلاه على البنية المؤسساتية البيروقراطية وأيديولوجيا ملكية الأرض وتخطيطها. وقد ربطت الحركة الصهيونية، في مرحلة ما قبل الدولة/تشكيل الأمة ومرحلة بناء الدولة، بين ملكية الأرض وتخطيط التطور العمراني فيها، وكأن حق التخطيط مرتبط بحق الملكية الخاصة بالمالك (بما في ذلك الدولة). ففي مرحلة ما قبل الدولة، كانت الملكية الخاصة (والشركات) بمثابة المبدأ لدى الاستعمار والتطور العمراني، ومصدر قوة للتخطيط تحت الغطاء العثماني أولاً ومن ثم الانتدابي. وهذا المبدأ لم يتوقف العمل به بعد إقامة الدولة سنة 1948، وإنما استمرت الوكالة اليهودية في التخطيط والعمران داخل الخط الأخضر وفي المناطق التي احتُلت سنة 1967. كما استمر هذا المبدأ معمولاً به في نظام التخطيط إذ تُعتبر الدولة «مالكة» عبر مؤسساتها الرسمية والتي تسيّرها دائرة أراضي إسرائيل. وكان لتبنّي دولة إسرائيل نظام الليبرالية المشروطة في سوق الأراضي، أثره في تخطيط الحيّز والتطور العمراني فيه، وتخفيف الربط بين ملكية الدولة وتخطيط الحيّز والتطوير العمراني فيه.

ومن أبرز التحولات في فك الارتباط، بين ملكية الأرض وتخطيط التطور العمراني فيها، ذاك الذي حدث في مكانة دائرة أراضي إسرائيل ودورها، إذ تحولت من عضو شريك ومبادر ومصدِّق لمخططات هيكلية، تضعها مؤسسات التخطيط الرسمية، إلى صفة مراقب منذ سنة 1997. وكانت دائرة أراضي إسرائيل أُسست بموجب «القانون الأساسي – عقارات إسرائيل» لسنة 1960 لإدارة كل الأراضي غير الخاصة بموجب سياسة تضعها الحكومة الإسرائيلية. وقد بادرت هذه الدائرة إلى تخصيص أراضي الدولة وتخطيطها لإقامة بلدات زراعية ومدينية (بما في ذلك أحياء جديدة) على أراضٍ تحت سيطرتها. وكان جزء من عمل الدائرة يتم بموجب قرارات حكومية، وجزء آخر يتم بالتوافق مع قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية، الذي هو أيضاً عضو كامل العضوية في مؤسسات التخطيط الرسمية حيث كانت المخططات تُعْرَض ويجري التصديق عليها. وهذه الحال بقيت قائمة حتى إقرار إصلاحات في جهاز التخطيط الذي كشف، في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، أن ثمة تناقضاً وازدواجية في عمل دائرة أراضي إسرائيل، الأمر الذي أدى بالحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار بفصل سياسات الأراضي عن سياسات التخطيط.

كذلك يدور نقاش حالياً بين مختلف الأحزاب السياسية والفئات العقائدية الصهيونية بشأن سياسات الأراضي والدعوات إلى إجراء إصلاحات مؤسساتية،58 مثل تحويل «دائرة أراضي إسرائيل» إلى «سلطة أراضي إسرائيل»، والمطالبة بإلغاء الصندوق القومي اليهودي (كيرن كاييمت ليسرائيل) الذي يمتلك نحو 3,396,333 دونماً (16,7­% من مساحة إسرائيل)،59 أو على الأقل فرض رقابة الدولة عليه، وعلى الأراضي المخصصة لاستخدام الجيش والتي تشكل نحو 50­% من مساحة إسرائيل.60 وهذا يدل على انطلاق نقد جماهيري في إسرائيل يتناول ما كان يقوم به الجيش والصندوق القومي من تخطيط وتخصيص للأراضي في إسرائيل والتي كانت بمثابة «بقرات مقدسات وطابو» غير قابل للنقد والاعتراض. ويعبر ارتفاع أصوات النقد والمطالبة بشفافية عمل تخطيط الأراضي وتخصيصها عن تحولات جيوسياسية، وتحولات في إدارة الدولة، وأيضاً عن التأثر بالمناخ العالمي السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وعلى الرغم من أن المنطلق العقائدي اليهودي الدافع إلى السيطرة الجماعية على الأرض هو أن «الأرض لا تباع إلى الأبد»، فإن هذا لا يعني عدم عقد صفقات عقارية خاصة. إذ يمتلك اليهود حالياً ويسيطرون على نحو 96,2­% من مساحة إسرائيل، منها نحو 3,4­% أملاك يهودية خاصة مقامة عليها بلدات مدينية يهودية مثل تل أبيب وحولون وحديرا ونهاريا. وأن التفريق الذي طالب به ممثلو تيار إدارة الدولة على أسس سيادة القانون، يجب أن يكون بين دائرة أراضي إسرائيل، التي تمثل الدولة الرسمية التي يجب أن تعمل بموجب قوانين مدنية، وبين الصندوق القومي اليهودي الذي يعمل بموجب نظم وقوانين داخلية دينية وقومية وإثنية غير رسمية تخدم اليهود، وتستثني المواطنين العرب. لذلك فإنه يُمنع منعاً باتاً بيع أو تأجير الأراضي بحسب نظام الصندوق القومي اليهودي، وخصوصاً للعرب.

أمّا الدولة فقد أجازت بيع أو تبديل أراضٍ وفق سقف محدد بموجب القانون. فمثلاً قانون سلطة التطوير لسنة 1950 أجاز لها بيع أراضٍ حتى 100 ألف دونم، علماً بأنها «باعت» أو حولت أكثر من مليوني دونم من الأراضي العربية، التي خضعت لسيطرتها، إلى الصندوق القومي اليهودي. وكان معظم هذه الأراضي ملكاً للاجئين والمهجرين الفلسطينيين، لكن الحكومة الإسرائيلية حولت («باعت بمبلغ رمزي») هذه الأراضي إلى الصندوق القومي بصفته «شركة»، وذلك لمنع إمكان إعادتها إلى الفلسطينيين. وهكذا استخدمت الحكومة الصندوق القومي كذراع «إثنية وعرقية» من أجل امتلاك الأراضي وإقامة مستعمرات يهودية عليها.

وكان «القانون الأساسي – عقارات إسرائيل» لسنة 1960 قد حدد مبنى دائرة أراضي إسرائيل وصلاحياتها، ومن ذلك أن نصف أعضاء إدارة دائرة أراضي إسرائيل ممثل للحكومة والنصف الآخر ممثل للصندوق القومي اليهودي، الأمر الذي يعني أن للصندوق صلاحية كبيرة في وضع سياسات تخطيط وإدارة أراضي الدولة، إضافة إلى الأراضي التي يمتلكها. وبموجب سياسات دائرة أراضي إسرائيل سُمح ببيع أراضٍ بمساحة أقصاها 100 ألف دونم، بالإضافة إلى التأجير أو الحكر. لكن هذه المساحة زيدت سنة 2006 بموجب عملية الإصلاحات في سياسات حوكمة الأراضي وإقرار قانون التسويات الذي أجاز بيع حتى 200 ألف دونم. أمّا الإصلاحات في نظام ومؤسسات الأراضي التي جرت سنة 2009 في ظل ازدياد الانتقاد الجماهيري، بما في ذلك من جانب مؤسسات المجتمع المدني وممثلي الحكم المحلي وممثلي القطاع الخاص، لعمليات تخطيط الأراضي وتخصيصها وإدارتها، ولتبنّي نظام اللبرلة وسياسات الاقتصاد الحر، بما في ذلك خصخصة العقارات، فقد أجازت دائرة أراضي إسرائيل بيع نحو 800 ألف دونم، بما في ذلك تمليك الأراضي التي تم حكرها للمواطنين من دون تفريق على أسس قومية. ويجدر بالذكر أن جزءاً كبيراً من هذه الأراضي هو في الأساس أراضٍ تابعة للمهجرين الفلسطينيين. وفي الجدول التالي تلخيص التحول في أيديولوجيا النظام السياسي الإسرائيلي، وبين سياسات وأدوات السيطرة على الأرض وأثرها المباشر في سياسات التخطيط الحيّزي.

يمكن أن نوجز أن للتحول الجيوسياسي، والسوسيو – اقتصادي في إسرائيل، ولتبنّي إسرائيل سياسات الاقتصاد الحر التي منحت المدينة مكانة مميزة، بدل المكانة المميزة التي كانت مُنحت للقرية في الفكر والممارسة الصهيونيين، أثراً في جدلية العلاقة بين سياسات الأراضي وبين سياسات التخطيط الحيّزي في إنتاج الحيّز وصوغه.61 ولقد زاد الحديث حالياً عن الأرض كقيمة عقارية وليس كقيمة دينية/قومية فقط. وثمة أصوات كثيرة بدأت تعارض نظام تخصيص الأراضي وتوزيعها بين مختلف المجموعات المصلحية. فمثلاً كان ثمة صراع نشب، في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، بين جمعية «ادمتي – أرضي» التي تمثل المستعمرات الزراعية والكيبوتسات وبين جمعية «كيشت – مزرحيت» التي تمثل أبناء مدن التطوير الذين ينتمي معظمهم إلى اليهود السفارديم. وهذا الصراع قد خف وهجه مع الوقت نتيجة التحول النيوليبرالي الذي يمر به الاقتصاد الإسرائيلي. كما أن مؤسسات التخطيط بدأت تمر بعملية توزيع وتفويض صلاحيات كجزء من عملية دمقرطة العملية التخطيطية. وهذه التحولات تسببت بعراقيل لكيفية التعامل معها من جانب المجموعات السكانية بحسب المواقع الجغرافية (المركز في مقابل الأطراف)، وبحسب حجم المدن وشكلها (مدن مركزية مثل تل أبيب، أو مدن وسطية في المركز مثل رأس العين – روش هعاين –، أو في الأطراف مثل عكا)، وبحسب الانتماءات الإثنية والثقافية والقومية مثل اليهود المتزمتين (الحريديم) أو العرب الفلسطينيين. فمثلاً، بدأت ترتفع أصوات العرب الفلسطينيين المطالبة باستعادة أراضٍ صودرت أو هُجر أهلها منها (مستفيدة من صعود أيديولوجيا السوق واحترام الملكية الخاصة)، أو المطالبة بتوسيع مناطق النفوذ لبلداتهم وبتعديل المخططات الهيكلية لمدنهم وقراهم ومشاركتهم في إعداد هذه المخططات، والاعتراف بقرى عربية ما زالت غير معترف بها، وخصوصاً في منطقة النقب. كما أن تحديات التخطيط الحيّزي تواجه مسائل كيفية استشراف المستقبل في واقع التحولات في إسرائيل، وفي محيطها الإقليمي والعالمي. وهذه التحديات يتم عرضها ومناقشتها في طواقم تخطيط إسرائيلية وتشمل طواقم إعادة تقييم وتعديل مخطط قطري رقم 35، وتصديق مخطط قطري رقم 1 لسنة 2020 الذي يدمج المخططات القطرية محافظاً وحامياً للمناطق والأراضي المفتوحة التي تقع خارج المخططات الهيكلية المحلية التي تحدد الحيّزات العمرانية.62 كما أن عملية مراجعة وتقييم عقيدة التخطيط الحيّزي وأدواته تجري بواسطة عمل طاقم «إسرائيل 100» –63 وبعضها لُخص في أوراق جمعها كتاب «إسرائيل 2048» –64 وتحاول طرح بدائل لتخطيط المستقبل.

 

الجدول 2: تلخيص مؤشرات التحول الرئيسية في أيديولوجيا النظام السياسي الإسرائيلي،

وبين سياسات وأدوات السيطرة على الأرض، وتكوين مؤسسات التخطيط منذ نشوء الصهيونية

حتى الآن وأثرها في التغيرات في حوكمة التخطيط الحيّزي

الفترة

المتغير

حتى سنة 1948 مرحلة التكوين

حتى سنة 1967
قيام الدولة

حتى سنة 2000
بناء وإدارة الدولة

بعد سنة
2000

أيديولوجية النظام السياسي

بناء الهوية الجمعية وتكوين المشروع الصهيوني لإحياء الشعب اليهودي وبناء الأمة، ولإقامة الدولة

تبني نظام اشتراكي مركزي، يسعى إلى إثبات وجوده في الحيّز والسيطرة عليه وتطبيق سياسات استعمار داخلي في مناطق الأطراف (الجليل والمثلث والنقب)

بناء دولة وصوغ مجتمع، تطبيق نظام دولة رفاه اجتماعي، توفر استقرار سياسي واقتصادي نسبي، وتطبيق سياسات استعمار خارجي في الأراضي المحتلة سنة 1967

تبني سياسة الاقتصاد الليبرالي الحرّ، استقرار سياسي نسبي ووفرة اقتصادية، تبني سياسات الخصخصة وتفويض وتوزيع صلاحيات واختلاف على الاستعمار الخارجي

سياسة الأرض

شراء الأرض (أفراد ومؤسسات صهيونية)، أخذ امتيازات المشاركة مع المؤسسات الانتدابية المسيطرة لتأمين مصالحها للسيطرة على الأرض

تأمين امتلاك الأرض وتحويلها إلى سيطرة الدولة والأجسام اليهودية بواسطة المصادرة و«وراثة» المؤسسات الحكومية السابقة ونقلها لسيطرتها

استمرار التوسع في عملية تملك الأرض وتأمين أكبر سيطرة للدولة عليها، تأجيرها وحكرها لمواطنين ومستفيدين وتبديل أراضٍ لتحقيق أهداف الدولة

طرح مسألة إعادة توزيع الأراضي والإنصاف على أساس المواطنة، وبداية فصل بين الأرض «اليهودية» و«الإسرائيلية»

استعداد سلطات الدولة لبيع أراضٍ لمواطنين ومؤسسات

لم يكن استعداد للبيع، وإنما التركيز على الامتلاك لإنشاء الدولة

سمح بشكل استثنائي ومنع تجاوز بيع حتى 100 ألف دونم لحل مشكلات عينية

سمح بشروط خاصة، شرط ألاّ يتجاوز البيع 200 ألف دونم مشروطة بتحقيق أهداف الدولة الاستيطانية

تبني سياسة السوق الحرة المشروطة، واستعداد لبيع وتمليك نحو 800 ألف دونم مخططة في بلدات مدينية نقلت بواسطة الحكر

علاقة سياسات الأراضي مع سياسات التخطيط الحيّزي

امتلاك الأرض موجه بموجب تخطيط رؤيوي عام، امتلاك الأرض لإقامة المستعمرات القروية، وتوسيع الاستيطان اليهودي في المدن، والانتقال من البلدة إلى عنقود استيطاني تكاملي، حيّزياً ووظائفياً

ربط عضوي بين السيطرة على الأراضي وتطبيق تخطيط حيّزي مبادر لحفظ الأراضي وتهويدها. سياسة الأراضي موجهة وناظمة لسياسات التخطيط الحيّزي

نقل الربط العضوي بين سياسات الأراضي وسياسات التخطيط إلى الأراضي المحتلة بعد سنة 1967، واستخدام ملكية الدولة على الأراضي لرسم الخريطة العمرانية الرسمية المنشأ

فصل بين سياسات الأراضي وسياسات التخطيط. سياسة التخطيط الحيّزي موجِّهة وناظمة لسياسات حوكمة الأراضي وتخصيصها لتحقيق أهداف سوسيو - اقتصادية

حوكمة التخطيط الحيّزي وتشكيل الحيّز العمراني وإدارة الأراضي

نقل نموذج مؤسسات التخطيط المركزية، المتدرجة والتنازلية، وبناؤها في ظل هيمنة الانتداب البريطاني «الحداثي» وحضور ملحوظ لمندوبي الصهيونية فيها

تشكيل مؤسسات تخطيط مركزية تعتمد النظام الانتدابي وإشغالها من جانب يهود لإنجاز تحديات تحقيق الأمن واستيعاب الهجرة وإقامة وتوزيع الاستيطان اليهودي، وإقامة مدن التطوير في مناطق الأطراف

تشكيل مؤسسات مركزية، تدرجية تنازلية، بموجب قانون التنظيم لسنة 1965، تلزم إعداد مخططات ملزمة محددة حيّزياً، وإصدار رخص بناء بموجبها تركز على حماية الأرض الزراعية، وتأليف لجان لوائية ومحلية

بداية تفويض وتوزيع مؤسسات التخطيط على أساس تعديلات لقانون التنظيم لسنة 1965 (حتى الآن 122 تعديلاً) لتحقيق اللبرلة والدمقرطة، وتفويض الصلاحيات من القطري إلى المحلي، ولتسهيل عملية التطوير العمراني

 

وقد رافق هذه التحولات المؤسساتية والبنيوية تحولات مجتمعية ومطالب فردية وفئوية متأثرة بالتحولات العقائدية المرتبطة بامتلاك الأرض وتخطيطها وإدارتها. وكما سبق أن ذكرنا، فإن هذه التحولات هي نتاج تحول مكانة وقوة الدولة وتبنيها النيوليبرالية كنظام موجه، وهو ما ساهم في تخفيف الارتباط بين ملكية الأرض وتخطيطها. وسيزداد فك الارتباط هذا نتيجة تخطيط مشاريع التجديد الحضري. وهذه التحولات تجري كلها في ظل منظومة تعيد صوغ الصهيونية ومواءمتها للواقع الجديد، مع الإبقاء على ثوابت سيطرة الصهيونية على الأرض في ظل هيمنة الدولة والمجتمع اليهودي الصهيوني.

سابعاً - إشكالية الديموغرافيا65 في التخطيط الحيّزي

على الرغم من تعريف إسرائيل لنفسها بأنها دولة تنتمي إلى أسرة الدول المتطورة فإن السلوك الديموغرافي فيها مشابه لمثيله في الدول النامية، إذ إن نسبة زيادة السكان والتكاثر فيها مرتفعة ووصلت إلى نحو 1,9­% سنة 2019، وجاءت نسبة 78­% من هذا الارتفاع نتيجة التكاثر الطبيعي، و22­% نتيجة الهجرة إلى إسرائيل.66 ويتوقع أن تستمر زيادة السكان هذه، الأمر الذي سيؤثر في صوغ سياسات التخطيط الحضري واستخدامات الأراضي. وبموجب تكهن طاقم تخطيط «إسرائيل 100»، فإن البناء في إسرائيل سيصبح سنة 2048­ ضعف ما هو عليه حالياً.67 أمّا تكهن دائرة الإحصاء المركزي فيشير إلى أن عدد السكان في إسرائيل سيرتفع من 9,136 ملايين في نهاية سنة 2019،68 ليتراوح بين 17,6 مليون نسمة (بديل مرتفع) و13,8 مليون نسمة (بديل منخفض) سنة 2050 (انظر الجدول 3)، أي بعد نحو مئة عام على إقامة دولة إسرائيل؛ إذ من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إسرائيل بحسب بديل التكهن المرتفع، بينما يرتفع عدد السكان بنسبة 57­% بحسب التكهن المنخفض في الفترة 2020 – 2050. والفارق بين التكهن المرتفع والتكهن المنخفض مرده إلى توقع عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل مستقبلاً، وارتفاع نسبة الزيادة الطبيعية لدى الطبقة الوسطى اليهودية واليهود المتدينين الحريديم، الذين من المتوقع أن ترتفع نسبتهم من 10­% إلى نحو ربع السكان اليهود حتى سنة 2050، إذ تقام لهم مدن جديدة خاصة بهم (مثل: إيلعاد؛ موديعين علّيت؛ بيتار علّيت؛ كيسف)، بالإضافة إلى توسيع أحياء في مدن قائمة مثل بني براك والقدس وأشكلون وبيت شيمش، وأحياء جديدة في مدن استقطبت حريديم مثل طبرية وصفد ونوف هغليل (نتسيرت علّيت سابقاً). وهذا الارتفاع يعود أيضاً إلى عملية التدين التي يمر المجتمع اليهودي بها.

 

الجدول 3: عدد السكان في إسرائيل سنة 2019،
وتكهن زيادتهم بحسب بديل مرتفع وبديل منخفض،
بالآلاف، في الفترة 2020 - 2050

البديل/السنة

2019

2020

2050

   

عدد

نسبة

عدد

نسبة

عدد

نسبة

بديل

مرتفع

مجمل

9,133

100,0

9,371

100,0

17,603

100,0

يهود

7,216

79,1

7,403

79,0

14,033

79,72

عرب

1,917

20,9

1,968

21,0

3,570

20,28

بديل

منخفض

مجمل

 

100,0

9,221

100,0

13,793

100,0

يهود

 

79,1

7,281

78,96

10,888

78,94

عرب

 

20,9

1,940

21,38

2,902

21,06

المصدر: دائرة الإحصاء المركزي، «كتاب الإحصاء السنوي رقم 71، 2020» (القدس: دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلية، 2020)، (بالعبرية):

https://www.cbs.gov.il/he/publications/DocLib/2020/yarhon0720/B1.pdf

https://www.cbs.gov.il/he/publications/DocLib/2019/2.ShnatonPopulation/st02_10.pdf

 

أمّا التكهنات بشأن العرب في إسرائيل، فتتوقع أن يرتفع عددهم بنسبة 94­% بحسب التكهن المرتفع، أو نحو 58­% بحسب التكهن المنخفض، وستبقى نسبتهم إلى مجمل عدد السكان نحو الخُمس. ويشمل عدد السكان العرب سكان القدس الشرقية وهضبة الجولان، ولا يشمل السكان الفلسطينيين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. وفرضية زيادة عدد السكان العرب تعتمد على الزيادة الطبيعية فقط، بينما تستمر عملية ضبط ومنع عودة أو هجرة فلسطينية إيجابية إلى إسرائيل.

تطرح هذه التحولات الديموغرافية مسائل تتعلق بالتخطيط الحيّزي، مثل: كيف يكون انتشار السكان وتوزيعهم؟ وبأي جودة حياة يعيشون؟ وفي أي مستوى نمو اقتصادي وتنمية اجتماعية لاستمرار تلبية حاجاتهم بحسب سلة خدمات نوعية؟؛ فلتلبية مضاعفة عدد السكان يجب مضاعفة المساحات المبنية والبنى التحتية. ولتكثيف السكن والسكان في المدن (fillin)، يجب تبني سياسات التحديث الحضري والتجديد العمراني،69 وحماية المناطق المفتوحة والأراضي الزراعية ومنع انزلاق حضري إليها.70

وعلى الرغم من ادعاء نقص الأراضي في إسرائيل والكثافة المرتفعة كمبرر لضبط التوسع العمراني، وتوجيه سياسات التخطيط الحيّزي، وحوكمة الأراضي، وتجنب السماح للانزلاق العمراني، فإن المعطيات تشير إلى واقع مختلف. إذ إن معطيات دائرة الإحصاء المركزي تفيد بأن ما كان مبنياً من مساحة إسرائيل سنة 2013 لا يتجاوز ما نسبته %5,6،71 منها 66­% فقط للسكن. وبحسب دراسة أجرتها دائرة أراضي إسرائيل سنة 2013 عن استعمالات الأراضي في مختلف الألوية، اتضح أن نسبة المنطقة المبنية من مجمل مساحة اللواء هي في لواء تل أبيب 64,2­%، وفي لواء المركز 24,4­% (تمثل منطقة المركز)، وفي لواء الجنوب 1,6­%، وفي لواء الشمال 6,6­% (تمثل منطقة الأطراف).72 وسيبقى الاهتمام منصباً على مضاعفة البناء في منطقة المركز لاستيعاب مزيد من السكان، وذلك وفق مدرسة وفقه نموذج التركيز المركز، مُحَوِّلاً نموذج التركيز الموزع بحسب ما جاء في المخطط القطري رقم 35. وبالتالي سيستمر العمل في منطقة المركز على تركيز نحو 80­% من السكان اليهود. أمّا منطقة الأطراف فيتركز فيها 80­% من السكان العرب. حالياً يسكن 40­% من سكان إسرائيل في منطقة الأطراف (لواء الشمال ولواء حيفا ولواء الجنوب)، وذلك على الرغم من أن إسرائيل سعت، منذ إقامتها، لتوزيع السكان اليهود على الأطراف حيث يتركز المواطنون العرب الفلسطينيون، لكنها لم تستطع تحقيق ذلك، مع أنها أنفقت أموالاً كثيرة لجلب اليهود وتوطينهم في المنطقة، إلاّ إن الأغلبية العربية بقيت على ما هي عليه. ويستمر طاقم إسرائيل 100 في وضع السياسة الحيّزية نفسها، بادعاء الرغبة في تخفيف الكثافة في منطقة المركز، وإلغاء الاستقطاب بين الأطراف والمركز، وتحويل منطقتي الشمال والجنوب إلى واجهة للتطور كي يسكنهما نحو 50­% من سكان الدولة.73 وهذا التوزيع الجيو – إثني قومي سيزيد في الفجوات بين المركز والأطراف، ذلك بأن الدولة ستستمر في تفضيل اليهود، على الرغم من إعلانها اللفظي أنها ستعمل على جَسر الفجوات بين العرب واليهود، وبين المركز والأطراف، وخصوصاً نتيجة التركيز على التجديد الحضري في مدن
المركز.74 كما سيحافظ هذا التوزيع على الفصل الحيّزي السكني بين اليهود والعرب، وبين اليهود المتدينين (الحريديم) والعلمانيين، إذ ستزداد إقامة أحياء وبلدات مفصولة مخصصة للحريديم، الأمر الذي سيزيد في الفجوات والتصدعات الاقتصادية والإثنية. وفي المقابل، ستستمر تبعية البلدات العربية للمركز والمدينة العبرية، على الرغم من زيادة المشاركة الوظائفية في الحيّز، بأوضاع غير متناظرة. كذلك فإن زيادة عدد السكان العرب، وتطورهم النوعي، وانتشارهم الحيّزي، ستشكل كلها تحدياً أمام سياسات التخطيط الحيّزية في سعيها لإبقاء الفصل الحيّزي المديني والقروي قائماً بين العرب واليهود، بينما تزداد المشاركة الوظائفية، في أوضاع غير متناظرة وسياسات تمييز بنيوية ممأسسة، في تخصيص الأراضي ومنح صلاحيات التخطيط وحوكمة الحيّز للسلطات المحلية العربية.75 ومشكلة السياسات التخطيطية تكمن بين توسيع مسطحات تطوير البلدات العربية وتجديد مخططاته الهيكلية وإزالة المعوقات من أمام تنميتها وتطورها من جهة، وبين هجرة العرب للسكن في المدن اليهودية المحاذية والتي أقيمت أصلاً بهدف الحد من توسع البلدات العربية وتهويد الحيّز من جهة أُخرى؛ ذلك بأن هناك حالياً توجهاً لدى العرب للتوطن في المدن اليهودية مثل كرميئيل، وعراد، ونوف هغليل (نتسيرت علّيت أو «الناصرة العليا»). وهذه المشكلة تشكل تحدياً أمام مؤسسات التخطيط القطرية واللوائية، وتفرض على اللجان المحلية إعداد خطط تفصيلية وإصدار رخص بناء لحل ضائقة السكن لدى المواطنين العرب في بلداتهم.

ثامناً - مشكلات المدرسة والفقه التخطيطي

ثمة نقاش دائر اليوم بين فقهاء التخطيط في إسرائيل بشأن أي مدرسة وفقه تخطيطي يمكن أن يؤمِّنا حاجات الدولة والمجتمع المتنوع، والذي يعاني جرّاء تصدعات وشروخ أيديولوجية وقومية وطبقية وجغرافية وبيئية؟ فهناك من يطالب بإحداث إصلاحات توفيقية في الفكر التخطيطي بتحويله من تخطيط حيّزي ملزم، على المستويين القطري واللوائي، إلى تخطيط توجيهي على المستوى المحلي. وبحسب هذه الفكرة يجب تفويض وتوزيع الصلاحيات التخطيطية للمستوى المحلي البلدي، والإبقاء على المستوى القطري الشمولي، وإضعاف المستوى اللوائي ليتحول إلى مستوى إشرافي تنسيقي. وهناك آخرون ينادون بالإبقاء على مدرسة التخطيط الحيّزي السائدة، والتي منحت الدولة قوة التدخل لهندسة الحيّز ومنع البناء أو السماح به، بموجب تطبيق مبدأ هيمنة الدولة على التخطيط بحجة تأمين الصالح العام وتحقيق أهداف الدولة المركزية. وتركز هذه المدرسة على المبنى المركزي المتدرج والتنازلي الملزم لمؤسسات التخطيط. وبموجب هذه المدرسة يبقى التركيز على إنتاج مخططات هيكلية ملزمة تصدِّق عليها مؤسسات التخطيط المسيطرة، وبموجبها تصدر رخص البناء ويجري التطوير الفيزيائي، وتتم مواءمة وتنسيق الخدمات الاجتماعية والاقتصادية وفق التخطيط الفيزيائي. أمّا المدرسة الثالثة والمتأثرة بالتحولات العالمية في التخطيط الحيّزي الشامل والقطاعي، والتي تعتمد على دمقرطة التخطيط الحيّزي وإشراك الجمهور فيه، لإنتاج تخطيط ملائم للمجتمع وغير مفروض أو مهيمن عليه، فهي تلك التي تنادي بإعداد سيناريوهات تخطيطية عامة وقطاعية، ويتم استقاء التخطيط الحيّزي كجزء من شبكة التخطيط القطاعي الوظائفي الداعم والمكمل للتخطيط الفيزيائي. وتشمل مدرسة دمقرطة التخطيط، وتفويض الصلاحيات إلى المستوى المحلي، الدمج بين الحيّزي والقطاعي بحسب سيناريوهات متنوعة تحاكي تطوير المكان ببدائل متعددة، بحيث يتم اختيار البديل بموجب قدرة السيناريو على تحقيق استراتيجيا الدولة على الصعيد القطري واللوائي والمحلي.

ومن المرجح أن يتم تطوير نموذج تخطيط حيّزي مُهَجَّن يشمل مركّبات قاسية وناظمة في مسائل معينة تتعلق بالحفاظ على الأرض ذات القيمة القومية والجيوسياسية والزراعية، أو المعرَّفة كمحميات طبيعية، وتلك المعَدَّة لتمرير بنى تحتية غير لينة مثل طرق قطرية، وسكك حديد، ومنشآت عسكرية، وهذا ما تضمنه المخطط القطري رقم 1 الذي صادقت عليه مؤسسات التخطيط سنة 2020،76 بينما يكون هناك تساهل في تبني التخطيط القطاعي الحيّزي الذي يوفر إمكان توطن الوظائف والفعاليات أو تنقلها من مكان إلى آخر بتكاليف زهيدة نسبياً، وذلك بموجب مخططات توجيهية أو مخططات تعديلية لمخططات هيكلية مقرة، مثل تعديل مخطط قطري أو لوائي.77 هذا وبعد أن كانت المسؤوليات والصلاحيات واضحة، وبعد إدخال تعديلات كثيرة على قانون التنظيم، أصبح هناك تضارب في الصلاحيات على صعيد تصديق المخططات، وإصدار رخص البناء. فبلدية تل أبيب – يافا هي بمثابة لجنة تنظيم محلية مستقلة وتمتلك صلاحيات واسعة، على عكس لجنة تنظيم محلية مقابلة في مدينة صغيرة، مثل طبرية أو الناصرة اللتين ما زالتا تحت جناح اللجنة اللوائية وقراراتها، وهذا يعني أن التعقيدات في مسائل التخطيط والبناء تبقى قابلة للازدياد، الأمر الذي يسبب إشكاليات، منها ما يشرّع الباب أمام الفساد، ومنها ما يعوق عمليات التطوير من خلال إعاقة إقرار المخططات وإصدار الرخص القانونية.78 وبالتالي يمكن أن نرى فشلاً في عملية الضبط المركزية لمؤسسات
التخطيط، ذلك بأنها لن تتمكن من معالجة الأمور المحلية والواقع المعقد الذي يفرض تحولات في البنية المؤسساتية التخطيطية، لا على صعيد الأفكار أو التحولات العالمية البنيوية الكبرى فحسب، بل يتعداها أيضاً إلى أداء مؤسسات التخطيط ووجود الفجوات فيما بينها جغرافياً وعرقياً وثقافياً.

إن صورة الانتشار العمراني التي يواجهها، أو يوجهها، التخطيط الحيّزي التقليدي أو الهجين المستحدث، تتأثر بصورة مباشرة بواقع الطلب على الأرض والسكن وتوفير الفرص الاقتصادية العاملة بموجب نظام السوق الحرة، وبحالة الترتيبات والتسويات الجيوسياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي حال استمرت حالة الصراع هذه، فإن الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية والسيطرة على الأرض تبقى موجهة لصوغ التخطيط الحيّزي. أمّا إذا حدثت تسوية ما، فإن الاعتبارات الوظائفية والأدائية المبنية على التعاون والمشاركة العابرة للحدود سوف تزداد.

إن التوجه التخطيطي العام هو استمرار التمركز العمراني الإسرائيلي في منطقة المركز حول تل أبيب. وسيتوسع هذا المركز ليصبح حاضرة مركزية تشمل بلدات قريبة منها فتضمها إليها وظائفياً وحضرياً، كما سيتم تكثيف البناء والتوسع العمودي باستخدام أدوات التجديد العمراني وتطبيق سياساته،79 مع استمرار التوسع الأفقي والزحف العمراني لتلبية الطلب المرتفع في منطقة المركز على السكن والفرص الاقتصادية فيها. وحالياً فإن التخطيط الحيّزي، على مختلف مستوياته، يسعى لتطوير مراكز ميتروبوليتانية ثانوية، مثل حيفا شمالاً وبئر السبع جنوباً والقدس شرقاً، تكون تابعة لتل أبيب التي ستشكل قاطرة النمو في إسرائيل، وجزءاً من شبكة المدن العالمية. وعلى الرغم من التفاوت بين هذه المراكز الحضرية الأربعة، من حيث الحجم والدور الوظائفي، فستتشكل الشبكة الحضرية في إسرائيل. وفي المقابل سيتشكل المركز الحضري الفلسطيني المُقطَّع حيّزياً في منطقة ظهر الجبل والممتدة بين الخليل جنوباً وبيت لحم حول القدس ورام الله ونابلس شمالاً. وفي قطاع غزة سيستمر التكثيف العمودي نتيجة محدودية الانزلاق الحضري الأفقي.

تاسعاً - تخطيط في غياب ترسيم الحدود وفقه التخطيط المخبأ

سبق أن أشرنا إلى أن المخطط الحيّزي لإسرائيلي سنة 1951 أُعد من دون أن يشير إلى حدود الدولة المنشأة، ووضع استراتيجيا تطوير حيّزي بقي موجهاً لسياسات التخطيط القطري والإقليمي والمحلي، حتى تم تصديق المخطط القطري رقم 31 لسنة 1992. وينقسم التخطيط الحيّزي في إسرائيل حالياً بين التخطيط الرسمي الذي يتوقف عند الخط الأخضر ويشمل القدس الشرقية والجولان، والذي تديره مؤسسات التخطيط الإسرائيلية الرسمية والعاملة بموجب قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي لسنة 1965، والتعديلات التي أجريت عليه، وبين التخطيط في منطقة الضفة الفلسطينية المحتلة الذي تديره مؤسسات التخطيط وإعداد المخططات، كما أشرنا سابقاً، بموجب قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية الأردني، ووفق التعديلات التي فرضها الحكم العسكري بحسب أوامر عسكرية ما زالت سائدة في المنطقة المسماة «ج».

وعلى الرغم من أن التخطيط الحيّزي في إسرائيل يتوقف رسمياً عند حدود الخط الأخضر، فإنه عملياً يستمر في تخطيط شبكة الطرق والبنى التحتية، وكذلك إقامة المستعمرات لمحو الخط الأخضر؛ أي أن ثمة توسعاً زاحفاً لنظام التخطيط الإسرائيلي بصورة عملية على الرغم من الفصل الرسمي المعلن لنظام التخطيط.80 كما أن المنطقة «ج» تقطع التواصل الجيوسياسي بين المحافظات الفلسطينية الإحدى عشرة وبين منطقتي «أ» و«ب»، الأمر الذي يعوق إعداد تخطيط حيّزي فلسطيني متكامل ليخدم نحو 2,882 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الفلسطينية سنة 2017، والذين من المتوقع أن يتضاعف عددهم حتى سنة 2050، ليصل إلى نحو 5,5 ملايين نسمة.81 وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من السكان الفلسطينيين فإن منهجية ونموذج ومدارس التخطيط الحيّزي تتجاهلهم؛ أي أن سياسات التخطيط تتجاهل الإنسان الفلسطيني، لكنها تستخدم الأرض وتضع الخطط لها للسيطرة الفعلية عليها، وتطبيق نظام الفصل العنصري. وهذا الفصل بين المكان والإنسان كان نموذجاً طبقه الإسرائيليون من خلال الاتفاقيات المرحلية، ويطبق عملياً في التخطيط الحيّزي للمستعمرات الإسرائيلية، متجاهلاً وجود نحو 190 قرية فلسطينية يعيش فيها ما يقارب 350 ألف فلسطيني في المنطقة المسماة «ج».82

وفي ظل عدم التوافق على حدود جيوسياسية، يبقى إعداد التخطيط الحيّزي وتطبيقه كحالة «الفيل في الغرفة» مثلما يقول المثل الإنكليزي. ففي سنة 2017 بلغ عدد سكان فلسطين الانتدابية نحو 6,959 ملايين يهودي، ونحو 6,620 ملايين عربي فلسطيني؛ أي بنسبة 51: 49. ومن المتوقع أن يزداد عدد السكان اليهود والعرب الفلسطينيين، والبالغ نحو 13,5 مليون نسمة، ليصل إلى ما يقارب 21 مليون نسمة سنة 2050 (بحسب بديل التكهن المنخفض المذكور سابقاً). وهذا العدد لا يتناوله التخطيط الحيّزي الإسرائيلي، ولا الفلسطيني، الأمر الذي سيؤدي إلى تعميق التوترات والصراعات على الموارد، ويزيد في حالة الصدام والعنف والاقتتال، وهذا ما سيؤثر في إعادة ترسيم الحدود، وربما في تطوير تخطيط وظائفي للحدود.

أمّا فيما يتعلق بالمنطقة «ج»، فتعمل فيها حالياً مؤسسات تنظيم كانت أُنشئت بموجب القانون الأردني، موازية لتلك العاملة في إسرائيل، وفي بعض الأحيان متقاطعة معها ومكملة لها. وثمة داخل أجهزة التنظيم العاملة كجزء من الإدارة المدنية لجان تنظيم تعالج شؤون المستوطنين، وأُخرى تعالج شؤون الفلسطينيين في المنطقة «ج». ولا يوجد أي تمثيل فلسطيني داخل مؤسسات التنظيم العاملة، والتي تشكل ذراعاً شبه مدنية للحكم العسكري. وتعمل مؤسسات التنظيم رسمياً وكأنها منفصلة، لكنها عملياً جزء من مؤسسات التنظيم الإسرائيلية، وتشكل لواء سابعاً (لواء يهودا والسامرة) لألوية التخطيط العاملة في إسرائيل.

خاتمة

حاولنا في هذا الفصل إلقاء بعض الضوء على واقع التخطيط الحيّزي في إسرائيل وتحولاته بالانتقال من حال «بناء أمة» إلى إقامة دولة، وإدارة وحوكمة دولة ومجتمع. وقد قمنا بعرض موجز لمصدر الفكر التخطيطي والأيديولوجيا الموجهة له، والتي أثرت في إنشاء مؤسسات التخطيط وطرق إدارتها، كما كان لها تأثير في العملية التخطيطية والمنتوج التخطيطي الذي أُسس لتشكيل الحيّز العمراني وأنماطه. ويمكن أن ندعي أن قراءة مشهد التخطيط الحيّزي غير الرسمي والرسمي التوجيهي في إسرائيل تحكي قصة ترجمة السردية اليهودية الصهيونية التي ربطت المكان بالإنسان وبالعقيدة الدينية لتنجز مشروع الدولة المنشأة83 والذي يكشف لنا عن الربط بين ثلاثية الأرض والتخطيط والعمران. وهذا التخطيط الحيّزي يتشابه مع التخطيط الحيّزي في عدة دول أُخرى من حيث المنهجية والأدوات والنتائج، لكنه يكتسب خاصية وتميزاً نتيجة خاصية الصراع المستمر بين اليهود الصهيونيين والعرب الفلسطينيين والذي تجاوز عمره المئة عام، ولا حل له في الأفق. وقد شمل هذا الصراع مركّبات لينة ورمزية، وأُخرى قاسية محسوسة، مثل الصراع على موارد الأرض، وعلى المكان والموروث والتراث، وعلى السرديات ومستقبل المكان والإنسان. وهذه الصراعات وُضعت لها حلول تخطيطية أدت إلى هندسة الحيّز والوعي ومكنت الصهيونية من إنجاز مشروعها الوطني والعمراني. وعليه، رافق تحقيقَ الصهيونية لمشروعها في امتلاك الأرض والسيطرة على المكان، والذي تغذيه وتدعمه عقيدة دينية وسردية جيوسياسية، تطبيقُ تخطيط حيّزي ناظم وموجه، وإنشاء شبكة استيطان قروي وحضري. وتحوَّل هذا التخطيط الحيّزي وتغيَّر بالتوازي مع التغيرات التي واكبت الدولة. وحالياً يواجه التخطيط تحديات نظرية وتطبيقية حاولنا عرض بعضها بإيجاز، لكن المهمة لم تنته بعد.

المراجع

بالعربية:

أبو ستة، سلمان حسين. «أطلس فلسطين 1917 – 1966». لندن: هيئة أرض فلسطين، 2011.

أبو قرين، عنتر عبد العال. «المدخل إلى التخطيط العمراني». الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 2018.

جبارين، يوسف. «التخطيط القومي في إسرائيل: استراتيجيات الإقصاء والهيمنة». رام الله: مدار، 2013.

الحزماوي، محمد. «ملكية الأراضي في فلسطين 1918 – 1948». عكا: مؤسسة الأسوار، 1998.

خمايسي، راسم. «التخطيط والإسكان لدى المواطنين العرب». تل أبيب: المركز الدولي للسلام، 1990.

_____. «منظومات السيطرة على الأرض وتهويد الحيّز». في: «باسم الأمن: سوسيولوجيا السلام والحرب في إسرائيل في عصر متغير»، تحرير م. الحاج وأ. بن أليعيزر. حيفا: منشورات برديس – منشورات جامعة حيفا، 2003.

_____. «الثابت والمتغير في نمط الانتشار الجغرافي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل». «الحصاد»، العدد 3، 2013، ص 17 – 51.

_____. «أيديولوجية، سياسات وأدوات السيطرة على الأرض وتهويد المكان». مجلة «قضايا إسرائيلية»، العدد 54، 2014، ص 13 – 33.

_____. «بين المكان والإنسان والعقيدة الدينية /الجيوسياسية/ استشراف لتحديات التخطيط الحيّزي الإسرائيلي». «استشراف للدراسات المستقبلية»، العدد الرابع، 2019، ص 34 – 66.

الزاغة، عادل. «استشراف التغير الديموغرافي في فلسطين في أفق 2030: قراءة في تقرير (فلسطين 2030، التغير الديموغرافي: فرص للتنمية)». «استشراف للدراسات المستقبلية»، العدد الثاني، آب/أغسطس 2017، ص 75 – 94.

زريق، رائف. «إسرائيل: خلفية أيديولوجية وتاريخية». في: «دليل إسرائيل العام، 2020».

عبد الحميد، علي شعبان. «التخطيط العمراني وإدارة الحيّز المكاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة». مجلة «سياسات»، العدد 9، 2009، ص 1 – 17.

عياصرة، ثائر مطلق محمد. «مدخل إلى التخطيط الحضري: المفاهيم والنظرية والتطبيق». عمّان: دار الحامد للنشر والتوزيع، 2015.

بالعبرية:

إفرات، إليشع. «جغرافية الاحتلال». تل أبيب: إصدار كرمل، 2002.

أورون، عيران، ورغب، ر. «بلاد بالكاكي: الأرض والأمن في إسرائيل». القدس: منشورات كرمل، 2008.

بويمل، يئير. «ظل أزرق أبيض». حيفا: برديس، 2007.

تسفاديا، إيرز. «العسكرة والحيّز في إسرائيل». «سوسيولوجيا إسرائيلية»، 11 (2)، 2010، ص 337 – 361.

حسون، شلومو (محرر). «بلورة الحيّز في إسرائيل: خريطة الإسكان والأراضي». القدس: كيتر وكيرن كاييمت، 2012.

خمايسي، راسم. «التخطيط القطري في إسرائيل – تتابع وتحولات: وجهة نظر المواطنين العرب». في: «بلورة الحيّز في إسرائيل: خريطة الإسكان والأراضي»، تحرير شلومو حسون. القدس: كيتر وكيرن كاييمت، 2012، ص 109 – 132.

دائرة الإحصاء المركزي. «كتاب الإحصاء السنوي رقم 69». القدس: دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلية، 2018.

زندبرغ، حاييم. «أراضي إسرائيل، الصهيونية وما بعد الصهيونية». القدس: معهد أبحاث التشريعات والقانون المقارن، كلية الحقوق، الجامعة العبرية، 2007.

شارون، أريئيل. «تخطيط فيزيائي في إسرائيل». القدس: إصدار الطابع الحكومي، 1951.

شارون، سمادار. «المخططون والدولة وبلورة الحيّز القومي في مطلع الخمسينيات». في: «نظرية ونقد»، العدد 29، 2006، ص 31 – 58.

شفير، غيرشون. «الأرض والعمل والسكان في الاستيطان الصهيوني: (جوانب عامة ومميزة)». في: «المجتمع الإسرائيلي: جوانب نقدية، خيارات»، تحرير أوري رام. تل أبيب، 1993، ص 104 – 119.

فايطلسون، عيران. «التخطيط الفيزي في إسرائيل: بين السلطة والمجتمع ورأس المال والبيئة». في: «بلورة الحيّز في إسرائيل: خريطة الإسكان والأراضي»، تحرير شلومو حسون. القدس: كيتر وكيرن كاييمت، 2012، ص 87 – 108.

فيتكون، جدعون. «مطلوب: فصل صحيح بين كيرن كاييمت ومديرية أراضي إسرائيل». «كركعوت»، العدد 50»، 2000، ص 139 – 158.

مزور، آدم (محرر). «مخطط إسرائيل 2020: مخطط رئيسي لإسرائيل في سنوات الألفين». حيفا: مؤسسة شموئيل نئمان، التخنيون، 1997.

نيف، عدي. «سياسة الأراضي القومية وتخصيص الأراضي». في: «بلورة الحيّز في إسرائيل: خريطة الإسكان والأراضي»، تحرير شلومو حسون. القدس: كيتر وكيرن كاييمت، 2012، ص 71 – 85.

هيرشكوفيتس، آرييه. «التخطيط الحيّزي في إسرائيل: سياسة راسية في الأرض». حيفا: مركز أبحاث المدينة، التخنيون، 2009.

بالإنكليزية:

Abdulhadi, Rami. «Land Use Planning in the Occupied Palestinian Territories.» Journal of Palestine Studies 19 (4), 1990, pp. 46-63.

Alexander, E. R.; Alterman, R.; and Law Yone, H. «Evaluating Plan Implementation: The National Statutory Planning System in Israel.» Progress in Planning 20, 1993, 97-192.

Alterman, Rachelle. Planning in the Face of Crisis: Land Use, Housing, and Mass Immigration in Israel. London: Pre-publication version of a book published by Routledge, 2002.

Arieli, Shaul. Messianism Meets Reality, The Israeli Settlement Project in Judea and Samaria: Vision or Illusion, 1967-2016. Jerusalem: Economic Cooperation Foundation, 2017.

Coon, Antony. Town Planning Under Military Occupation: An Examination of the Law and Practice of Town Planning in the Occupied West Bank. Aldershot, UK: Dartmouth Publishing Co. Lim., 1992.

Falah, Gazi. «Israeli Judaization Policy in Galilee and its Impact on Local Arab Urbanization.» Political Geography Quarterly 8, 1989, pp. 229-253.

_____. «The 1948 Israeli-Palestinian War and Its Aftermath the Transformation and De-Signification of Palestine’s Cultural Landscape.» Annals of the American Association of Geographers 86 (2), 1996, pp. 252-267.

Gertel, S.; and Law Yone, H. «Participation Ideologies in Israeli Planning, Environment and Planning C.» Government and Policy 9, 1991, pp. 173-188.

Hanafi, Sari. «Explaining spacio-cide in the Palestinian territory: Colonization, separation, and state of exception.» Current Sociology, vol. 61, no. 2, September 2012, 190-205.

Hasson, Shlomo, ed. Israel 2048: Spatial Development and Planning. Jerusalem: Ministry of Finance, Planning Administration and The Shasha Center for Strategic Studies, The Hebrew University, 2016.

Hill, Mores. «Urban and Regional Planning in Israel.» In Can Planning Replace Politics? The Israeli Experience, pp. 259-282. Edited by Raphaella Bilski. The Hague: Martinus Nijhoff, 1980.

Home, Robert. Of Planting and Planning: The Making of British Colonial Cities. New York: Routledge, Second Edition, 2013.

Kedar, Alexender; Amara, Ahmad; and Yiftachel, Oren. Emptied Lands: The Legal Geography of Bedouins in the Negev. Stanford, Cal.: Stanford University Press, 2018.

Kellerman, Aharon. Society and Settlement: Jewish Land of Israel in the Twentieth Century. Albany: State University of New York Press, 1993.

Khamaisi, Rassem. «Israeli Use of the British Mandate Planning Legacy as a Tool for the Control of Palestinians in the West Bank.» Planning Perspectives 12, 1997, 321-340.

Khamaisi, Rassem. «One Country Two States: Planning the Alternative Spatial Relations between Palestine and Israel From Back to Back to Face to Face.» In Israel and Palestine: Alternative Perspectives on Statehood, pp. 159-184. Edited by John Ehrenberg & Yoav Peled. New York: Rowman & Littlefield, 2016.

Kimmerling, Baruch. Zionism and Territory. Berkeley, Cal.: The Institute of International Studies, 1993.

Kipnis, Baroch. «Geopolitical Ideologies and Regional Strategies in Israel.» Tijdchrift Voor Economishe en Social Geography 78, 1987, pp. 125-138.

Lane, M.B. «The Role of Planning in Achieving Indigenous Land Justice and Community Goals.» Land Use Policy, vol. 23 (4), 2005, pp. 385-394.

Lane, M.B.; and M. Hibbard. «Doing it for Themselves: Transformative Planning by Indigenous Peoples.» Journal of Planning Education and Research, vol. 25, 2005, pp. 172-184.

Lloyd, David. «Settler Colonialism and the State of Exception: The Example of Palestine/Israel.» Settler Colonial Studies, 2:1, 2012, pp. 59-80. DOI: 10.1080/ 2201473X.2012.10648826

Masalha, Nour. Maximum Land Minimum Arabs: Israel, Transfer and Palestinians 1949-1996. Beirut: Institute for Palestine Studies, 1997.

Razin, Eran, ed. National, District and Metropolitan Planning in Israel. Jerusalem: Floersheimer, 2010.

Reichman, Shalom; and Hasson, Shlomo. «A Cross-Cultural Diffusion of Colonization: From Posen to Palestine.» Annals of the Association of American Geographies 74 (1), 1984, pp. 57-70.

Shehadeh, Raja. «Land and Occupation: A Legal Review.» Palestine-Israel Journal 4 (2), 1998, pp. 25-30.

Yiftachel, Oren. «Israeli Society and Jewish-Palestinian Reconciliation: (Ethnocracy) and its Territorial Contradictions.» Middle East Journal 51 (4), 1997, pp. 505-519.

_____. Ethnocracy: Land and Identity Politics in Israel/Palestine. Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2006.

Zureik, Elia. The Palastinians in Israel: A Study in Internal Colonialism. London: Routledge and Kegan Paul, 1979.

 

* الحوكمة في سياق هذا الفصل تعني مجمل القوانين والنظم والقرارات الحكومية الإسرائيلية والحركة الصهيونية التي تهدف إلى السيطرة على الحيّز والأرض إدارياً وتخطيطياً.

 

المصادر:

1 David Lloyd, «Settler Colonialism and the State of Exception: The Example of Palestine/Israel,» Settler Colonial Studies, 2:1, 2012, pp. 59-80. DOI: 10.1080/2201473X.2012.10648826

2 نستخدم في هذا الفصل اسم الضفة الفلسطينية بدل اسم الضفة الغربية الذي أُطلق سنة 1951 بعد ضمها إلى المملكة الأردنية الهاشمية. وبعد قرار فك الارتباط سنة 1988، وعقد اتفاقيات تسوية مرحلية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإنني أفضل استعمال اسم الضفة الفلسطينية. أمّا إسرائيل فتطلق عليها اسم يهودا والسامرة.

3 كاتب الفصل هو مخطط مدن مشارك في إعداد مخططات حيّزية قطرية وإقليمية ومحلية في البلاد، بما في ذلك مخططات بديلة ومقاومة لتلك المعدَّة أو المقرَّة من قبل المؤسسات الرسمية، بالإضافة إلى كونه باحثاً ناقداً لسياسات التخطيط.

4 منير فخر الدين، «الفلسطينيون في مصائد التخطيط العمراني الإسرائيلي»، في: «مراجعة السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية»، تحرير جميل هلال ومنير فخر الدين وخالد فرّاج (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية،2017)، ص 287 - 317.

5 عنتر عبد العال أبو قرين، «المدخل إلى التخطيط العمراني» (الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 2018).

6 يوسف جبارين، «التخطيط القومي في إسرائيل: استراتيجيات الإقصاء والهيمنة» (رام الله: مدار، 2013)؛ ثائر مطلق محمد عياصرة، «مدخل إلى التخطيط الحضري: المفاهيم والنظرية والتطبيق» (عمّان: دار الحامد للنشر والتوزيع، 2015).

7 Robert HomeOf Planting and PlanningThe Making of British Colonial Cities (New YorkRoutledge, Second Edition, 2013).

8 B. Lane, «The Role of Planning in Achieving Indigenous Land Justice and Community Goals,» Land Use Policy, vol. 23(4), 2005, pp. 385-394; M. B. Lane, and M. Hibbard, «Doing it for Themselves: Transformative Planning by Indigenous Peoples,» Journal of Planning Education and Research, vol. 25, 2005, pp. 172-184.

9 شالوم رايخمن، «من القبض لأرض مستوطنة: إنتاج الخريطة الاستيطانية اليهودية بأرض إسرائيل، 1918 – 1948» (القدس: ياد بن تسفي، 1979)، (بالعبرية)؛

Aharon KellermanSociety and SettlementJewish Land of Israel in the Twentieth Century (AlbanyState University of New York Press, 1993).

10 «هيرتسل والحركة الصهيونية». 

11 Rassem Khamaisi, «Israeli Use of the British Mandate Planning Legacy as a Tool for the Control of Palestinians in the West Bank,» Planning Perspectives, 12, 1997, pp. 321-340; Anthony Coon, Town Planning Under Military Occupation: An Examination of the Law and Practice of Town Planning in the Occupied West Bank (Aldershot, UK: Dartmouth Publishing Co. Lim., 1992).

12 علي شعبان عبد الحميد، «التخطيط العمراني وإدارة الحيّز المكاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، مجلة «سياسات»، العدد 9، 2009، ص 1 - 17.

13 رائف زريق، «إسرائيل: خلفية أيديولوجية وتاريخية»، في: «دليل إسرائيل العام، 2020».

14 باروخ كيبنس (محرر)، «تل أبيب - يافا من ضواحٍ جنائنية إلى مدينة عالمية: مئة عام أولى» (حيفا: برديس، 2009)، (بالعبرية)؛ راسم خمايسي، «يافا: من مدينة مركزية إلى حي أطراف بتل أبيب - يافا»، في: المصدر نفسه.

15 إليشع إفرات، «جغرافية الاحتلال» (القدس: إصدار كرمل، 2002). (بالعبرية)

16 E.R. Alexander, R. Alterman, and H. Law Yone, «Evaluating Plan Implementation: The National Statutory Planning System in Israel,» Progress in Planning 20, 1993, pp. 97-192.

17 أورن يفتحئيل، «بناء الأمة وتقسيم الحيّز في (الإثنوقراطية الإسرائيلية): الاستيطان والأراضي والفوارق الطائفية»، في: «دراسات قانونية» (عيوني مشباط)، المجلد 21، الكراسة رقم 3، 1998، ص 637 - 665. (بالعبرية)

18 حاييم زندبرغ، «أراضي إسرائيل، الصهيونية وما بعد الصهيونية» (القدس: معهد أبحاث التشريعات والقانون المقارن، كلية الحقوق، الجامعة العبرية، 2007). (بالعبرية)

19 Kimmerling, Zionism and Territory (Berkeley, Cal.: The Institute of International Studies, 1993).

20 راسم خمايسي، «أيديولوجية، سياسات وأدوات السيطرة على الأرض وتهويد المكان»، مجلة «قضايا إسرائيلية»، العدد 54، 2014، ص 13 - 33. [مع بعض التعديلات]

21 Sari Hanafi, «Explaining spacio-cide in the Palestinian Territory: Colonization, separation, and state of exception,» Current Sociology, vol. 61, no. 2, September 2012, pp. 190-205.

22 سلمان حسين أبوستة، «أطلس فلسطين 1917 - 1966» (لندن: هيئة أرض فلسطين، 2011).

23 Gazi Falah, «The 1948 Israeli-Palestinian War and Its Aftermath the Transformation and De-Signification of Palestine’s Cultural Landscape,» Annals of the American Association of Geographers 86 (2), 1996, pp. 252-267; Arnon Golan, «The Transfer to Jewish Control of Abandoned Arab Lands during the War of Independence,» in Israel: The First Decade of Independence, ed. S.I. Troen, and N. Lucas (Albany: State University of New York Press, 1995), pp. 403-440;

راسم خمايسي، «التخطيط القطري في إسرائيل - تتابع وتحولات: وجهة نظر المواطنين العرب»، في: «بلورة الحيّز في إسرائيل: خريطة الإسكان والأراضي»، تحرير شلومو حسون (القدس: كيتر وكيرن كاييمت، 2012)، ص 109 - 132. (بالعبرية)

24 أريئيل شارون، «تخطيط فيزيائي في إسرائيل» (القدس: إصدار الطابع الحكومي، 1951)، (بالعبرية)؛ سمادار شارون، «المخططون والدولة وبلورة الحيّز القومي في مطلع الخمسينيات»، في: «نظرية ونقد»، العدد 29، 2006، ص 31 - 58. (بالعبرية)

25 أرييه هيرشكوفيتس، «التخطيط الحيّزي في إسرائيل: سياسة راسية في الأرض» (حيفا: مركز أبحاث المدينة، التخنيون، 2009). (بالعبرية)

26 Elia Zureik, The Palastinians in Israel: A Study in Internal Colonialism (London: Routledge and Kegan Paul, 1979).

27 راسم خمايسي، «التخطيط والإسكان لدى المواطنين العرب» (تل أبيب: المركز الدولي للسلام، 1990)؛ سمادار شارون، مصدر سبق ذكره.

28 Eran Razin, ed., National, District and Metropolitan Planning in Israel (Jerusalem: Floersheimer Studies, 2010).

29 Meres Hill, «Urban and Regional Planning in Israel,» in Can Planning Replace Politics? The Israeli Experience, ed. Raphaella Bilski et al. (The Hague: Martinus Nijhoff, 1980), pp. 259-282.

30 حتى الآن (2020) أُدخل 122 تعديلاً على قانون التنظيم والبناء الذي أُقر سنة 1965، على أساس أمر تنظيم المدن الانتدابي لسنة 1936. وقد حولت هذه التعديلات القانون إلى أعقد قانون في إسرائيل، ذلك بأنه يضع شروط إنجازها استناداً إلى قوانين أُخرى تتعلق بإدارة الأرض وحوكمتها، بما في ذلك قانون العقوبات الجنائية، والصحة العامة. أمّا أشد هذه التعديلات تأثيراً، فهو التعديل الأخير ذو الرقم 116 لسنة 2018، والذي يعرف بـ «قانون كيمينتس»، إذ يشدد على تنفيذ العقوبات، بما في ذلك هدم المباني المشيَّدة بلا ترخيص، وذلك بقرار إداري من دون الرجوع إلى المحاكم. ويستهدف هذا القانون، بصورة أساسية، المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل.

31 راحيل ألترمن، «ما بين الخصخصة واستمرار الملكية القومية: سياسة إسرائيل المستقبلية في مجال الأراضي» (القدس: معهد فلورسهايمر للأبحاث السياسية، 1999). (بالعبرية)

32 راسم خمايسي، «التخطيط القطري في إسرائيل...»، مصدر سبق ذكره؛ هيرشكوفيتس، مصدر سبق ذكره.

33 عيران فايطلسون، «التخطيط الفيزي في إسرائيل: بين السلطة والمجتمع ورأس المال والبيئة»، في: «بلورة الحيّز في إسرائيل: خريطة الإسكان والأراضي»، تحرير شلومو حسون (القدس: كيتر وكيرن كاييمت، 2012)، ص 87 - 108. (بالعبرية)

34 إفرات، مصدر سبق ذكره.

35 غيرشون شفير، «الأرض والعمل والسكان في الاستيطان الصهيوني: جوانب عامة ومميزة»، في: «المجتمع الإسرائيلي: جوانب نقدية وخيارات»، تحرير أوري رام (تل أبيب: بريروت، 1993)، ص 104 - 119. (بالعبرية)

36 Shaul Arieli, «Messianism Meets Reality, The Israeli Settlement Project in Judea and Samaria: Vision or Illusion, 1967-2016» (Jerusalem: Economic Cooperation Foundation, 2017).

37 Rami Abdulhadi, «Land Use Planning in the Occupied Palestinian Territories,» Journal of Palestine Studies, 19 (4), 1990, pp. 46-63; Coon, op. cit;

عبد الحميد، مصدر سبق ذكره.

38 راسم خمايسي، «مصيدة التخطيط الحضري في القدس»، مجلة «المستقبل العربي»، العدد 475، 2018، ص 29 - 55.

39 هيرشكوفيتس، مصدر سبق ذكره.

40 راسم خمايسي، «منظومات السيطرة على الأرض وتهويد الحيّز»، في: «باسم الأمن: سوسيولوجيا السلام والحرب في إسرائيل في عصر متغير»، تحرير م. الحاج وأ. بن أليعيزر (حيفا: منشورات برديس - منشورات جامعة حيفا، 2003).

41 Rachelle Alterman, Planning in the Face of Crisis: Land Use, Housing, and Mass Immigration in Israel (London: Pre-publication version of a book published by Routledge, 2002).

42 آدم مزور (محرر)، «مخطط إسرائيل 2020: مخطط رئيسي لإسرائيل في سنوات الألفين» (حيفا: مؤسسة شموئيل نئمان، التخنيون، 1997). (بالعبرية)

43 منذ بداية التسعينيات، وخصوصاً بعد قانون التنظيم رقم 43، انطلقت مبادرات من مؤسسات المجتمع المدني ومبادرون أصحاب علاقة بالأرض إلى إعداد مخططات هيكلية بديلة، ومواجهة التخطيط بواسطة المحاكم لتعديلها كما هو شأن جمعية حقوق المواطن، ولجنة الأربعين، وجمعية حماية ومؤازرة حقوق البدو، وبمكوم، والمركز العربي للتخطيط البديل، وجمعية رغفيم، والوكالة اليهودية. وقد ساهمت هذه المؤسسات في تغير الخطاب التخطيطي ومضامين المخططات على المستوى القطري والمحلي.

44 تمت المبادرة إلى إعداد هذا المخطط سنة 2018 من جانب طاقم تخطيط ممثل لتسع مؤسسات أكاديمية في إسرائيل تدرس التخطيط والعمارة. وقد تم تركيز عمل الطاقم في قسم العمار والتخطيط الحضري في التخنيون. ويتبين من عنوان هذا المخطط أنه يتطلع إلى مناسبة مئة عام لتأسيس إسرائيل. وهذا الطاقم ما زال يعمل بعد إنهاء المرحلتين الأولى والثانية، وهو الآن بصدد العمل على المرحلة الثالثة. وكاتب هذا الفصل هو عضو في الطاقم ممثلاً لجامعة حيفا. انظر: «إسرائيل 100: تخطيط استراتيجي لإسرائيل نحو سنة 2048 - تقرير مرحلة ب - أدوات التخطيط» (التخنيون، مركز بحث المدينة والإقليم، 2019). (بالعبرية)

45 https://www.e-elgar.com/shop/gbp/handbook-of-emerging-21st-century-cities-9781784712273.html

 

46 Rassem Khamaisi, «One Country Two States: Planning the Alternative Spatial Relations between Palestine and Israel From Back to Back to Face to Face,» in Israel and Palestine: Alternative Perspectives on Statehood, ed. John Ehrenberg & Yoav Peled (New York: Rowman & Littlefield, 2016), pp. 159-184.

49 مديرية التخطيط، «كتاب التخطيط السنوي، 2019»، وزارة المالية:

https://www.gov.il/he/Departments/Guides/shnaton?chapterIndex=1

50 المصدر نفسه، ص 9.

51 المصدر نفسه، ص 6.

52 المصدر نفسه، ص 20.

53 Debora Shmueli and Rassem Khamaisi, Israel’s Invisible Negev Bedouin: Issues of Land and Spatial Planning (Switzerland: Springer Press, 2015).

54 Maarten A. Hajer, City Politics: Hegemonic Projects and Discourse (Aldershot, UK: Avebury, 1989); Maarten A. Hajer, The Politics of Environmental Discourse: Ecological Modernization and the Policy Process (Oxford: Clarendon Press, 1995); Stephen Balls, Foucault and Education: Disciplines and Knowledge (London: Routledge, 1990).

56 راسم خمايسي، «الثابت والمتغير في نمط الانتشار الجغرافي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل»، «الحصاد»، العدد 3، 2013، ص 17 - 51.

57 Tovi Fenster, «Planning from (Below) in Israel: Reflections on the Public Interest,» Geography Research Forum, 29, 2009, pp. 138-151; A.Z. Guttenberg, The Language of Planning: Essays on the Origins and Ends of American Planning Thought (Urbana and Chicago: University of Illinois Press, 1993); J.W. Tollefson, Planning Language, Planning Inequality: Language Policy in the Community (London, New York: Longman, 1991).

58 جدعون فيتكون، «مطلوب: فصل صحيح بين كيرن كاييمت ومديرية أراضي إسرائيل»، كركعوت»، العدد 50»، 2000، ص 139 - 158. (بالعبرية)

60 خمايسي، «منظومات السيطرة على الأرض....»، مصدر سبق ذكره؛ إيرز تسفاديا، «العسكرة والحيّز في إسرائيل»، «سوسيولوجيا إسرائيلية»، 11 (2)، 2010، ص 337 - 361. (بالعبرية)؛ عيران أورون، و ر. رغب، «بلاد بالكاكي: الأرض والأمن في إسرائيل» (القدس: منشورات كرمل، 2008). (بالعبرية)

61 شلومو حسون (محرر)، «بلورة الحيّز في إسرائيل: خريطة الإسكان والأراضي» (القدس: كيتر وكيرن كاييمت، 2012). (بالعبرية)

64 Shlomo Hasson, ed., Israel 2048: Spatial Development and Planning (Jerudalem: Ministry of Finance, Planning Administration and The Shasha Center for Strategic Studies, The Hebrew University, 2016).

68 دائرة الإحصاء المركزي، 2018: 11.

69 السلطة الحكومية للتجديد العمراني، «تقرير التجديد العمراني لسنة 2019»، نيسان/أبريل 2020. (بالعبرية).

 
 

74 السلطة الحكومية للتجديد العمراني، مصدر سبق ذكره.

75 راسم خمايسي، «تخطيط وتطوير البلدات العربية في إسرائيل: منهج جديد لتنظيم السلطات المحلية والدولة» (تل أبيب: معهد الأمن القومي، والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والمركز اليهودي العربي، ومعهد ستاينس، جامعة تل أبيب، 2019). (بالعبرية):

76 https://mavat.moin.gov.il/MavatPS/Forms/SV4.aspx?tid=4&mp_id=6vCdEltSxBV3f6xS%2Fm9dDQrYmiuv1fx5hQCXY%2FocjCZxgIfPTm75lgirO4br%2BTJrfiO4V1MYHNLKVXrcKCobcoBVxNZHLUeEDvHBdX0aTAw%3D&et=1

77 بحسب قانون التنظيم يمكن تعديل كل مخطط هيكلي بواسطة إعداد مخطط هيكلي يتم إقراره من قبل مؤسسات التخطيط الموازية. مخطط قطري يتم إقراره من المجلس القطري والحكومة، مثل المخطط القطري للطرق رقم 3 الذي صودق عليه سنة 1973، وتم تعديله بالمخطط القطري رقم 42 وصودق عليه سنة 2020.

78 نتيجة هذه التعقيدات يقوم بعض المطورين بدفع رشاوى لمسؤولين في أجهزة التخطيط، وخصوصاً في البلديات، من أجل الحصول على رخص وزيادة رخص البناء الممنوحة، حتى إن بعض رؤساء البلديات دخل السجن نتيجة منحه رخص بناء مخالفة للمخططات، كما هو شأن رئيس بلدية القدس إيهود أولمرت، ورئيس بلدية بات يام لحياني، ورئيس بلدية الخضيرة، انظر.

79 أصبح التجديد العمراني أحد مركّبات التخطيط الحيّزي، وعاملاً مركزياً في توفير السكن وتأهيل المراكز والأحياء العمرانية. ولإدارة عملية التجديد أقرت الحكومة، في قرارها رقم 24257 (در/131)، بتاريخ 2 / 3 / 2017، إنشاء سلطة حكومية للتجديد الحضري، ورصدت لها ميزانية خاصة لإجراء التجديد العمراني.

80 Rassem Khamaisi, «Development-Oriented Counter-Planning Versus Restrictive Planning in Area C of the West Bank, Palestine,» The Arab World Geographer, vol. 22, no. 1, 2019, pp. 47-65.

 

81 عادل الزاغة، «استشراف التغير الديموغرافي في فلسطين في أفق 2030: قراءة في تقرير (فلسطين 2030، التغير الديموغرافي: فرص للتنمية)»، «استشراف للدراسات المستقبلية»، العدد الثاني، آب/أغسطس 2017، ص 75 - 94.

82 خمايسي، «السير ضد التيار....»، مصدر سبق ذكره.

83 راسم خمايسي، «بين المكان والإنسان والعقيدة الدينية /الجيوسياسية/ استشراف لتحديات التخطيط الحيّزي الإسرائيلي»، «استشراف للدراسات المستقبلية»، العدد الرابع، 2019، ص 34 - 66. 

ABOUT THE AUTHOR

Rassem Khamaisi is a geographer and urban planner. He is Professor of Urban Planning in the Department of Geography and Environmental Studies at Haifa University and Chairman of Kufr Kanna Center for Planning and Research.